موقع_القرية:
تقع قرية حلية في الجنوب الشرقي لبلدية
بوسلام التابعة لدائرة بوعنداس الواقعة شمال ولاية سطيف، في موقع استراتيجي هام
تتوسط 04 بلديات، يحدها من الشمال كل من قرية أوثروش وإزعبارن، ثاقمة وثيزقين
التابعة لبلدية بوسلام، ومن الجنوب قرية ثاوريرت واشيبيون من بلدية ذراع قبيلة
دائرة حمام قرقور، ومن الشرق كل من قرية عونة التابعة لبوسلام ، وقرية بني عبد
الله التابعة لبلدية ثالة إفاسن دائرة ماوكلان، ومن الجهة الغربية قرية بوزكوط (
بوسلام) وواد بوسلام، وقرية بني جماتي التابعة لبلدية بني شبانة دائرة بني ورثيلان.
أما موقع قرية حلية إبان الثورة التحريرية
فبعد مؤتمر الصومام كانت تنتمي إلى قسمة الحر الجنوبي التابعة للناحية الثالثة
والتابعة بدورها للمنطقة الأولى التابعة إلى الولاية الثالثة.
#القرية_والثورة_التحريرية:
بعد الجولات التي كان يقودها الرائد عميروش
عبر قرى ودواوير القبائل الصغرى بداية من شهر أفريل 1955م بأمر من كريم بلقاسم
والتي كان الهدف منها توعية ودعوة السكان، خاصة الشباب منهم للالتحاق بصفوف الثورة
التحريرية وتدعيمها، وكذا للوقوف على مختلف المشكلات التي تواجه الثوار ومتابعة
عملية تنظيم وهيكلة القسمات والقطاعات والنواحي، استجاب سكان القرية بقوة لنداء
الثورة من خلال تدعيمها ماليا وإمدادها بمختلف الموارد البشرية.
فدعمت صفوف جيش التحرير الوطني بثلاثة عشرة
(13) مجاهدا (استشهد ستة (06) منهم إبان الثورة) واثنا عشرة (12) مسبلا كانوا
يجمعون الأموال والمئونة للمجاهدين ويرصدون تحركات العدو ويحملون الرسائل
والمعلومات للمجاهدين ويهيئون الظروف المناسبة لاستقبالهم في القرية على غرار
استقبال العديد من قادة المنطقة (العقيد عميروش والكومندا سي حميمي...) خاصة وأن
سكانها يتسمون بالوفاء والجود والكرم وحب الوطن، وأصبحت بذلك منطقة عبور للثوار
بين جبال عين الروى وبابور، خراطة، قنزات، حربيل، بني ورثيلان، بني معوش، صدوق
وبوحمزة... وغيرها من المناطق نظرا لموقعها الاستراتيجي ووجود سوق أسبوعي بالقرية
(على ضفة واد بوسلام يوم الأحد) يسهل عملية التقاء المسبلين مع المجاهدين.
تعريف_المعركة:
في يوم الأربعاء 14 مارس 1956م كان المساعد
"يوسفي الحسين" المدعو "مسطاش حسين" في مهمة عسكرية بجبال
"مزادة" و"أيت تيزي" (على بعد حوالي 20 كلم شمال شرق القرية)
إذ وصله أمرا من الرائد عميروش الذي كان بقرية "فروخ" عرش "بني
جماتي" (غرب القرية بحوالي 08 كلم) للالتحاق به قبل طلوع شمس يوم الخميس
للتوجه عبر واد بوسلام (بين قرية حلية وقرية فروخ) نحو مقر الولاية الثالثة تأهبا
لتحضير المؤتمر (الصومام) حينها كان الرائد عميروش مكلف بالأمن العام والتنسيق بين
مختلف المسؤولين فأراد تدعيم المنطقة بجنود ذوي خبرة عالية في ميادين القتال. ولظروف
مجهولة جعلت تحرك "المسطاش" متأخرا ومعه حوالي (80) مجاهدا، وعند وصولهم
إلى قرية "إغزر لجنان" (06 كلم شرق القرية) كانت الشمس قد طلعت فاُكتشف
أمرهم من طرف حراس الثكنة العسكرية المتواجدة في أعالي قرية "سمطة"،
عندها أطلقت صفارات الإنذار وطلبت الإمدادات من القوات المتواجدة في المناطق
المجاورة خاصة القوات الجوية بثكنة "تلاغمة"، فأسرع المجاهدون في سيرهم
غير أن القوات الفرنسية أدركتهم في قرية "عونة" (01 كلم شرق القرية)
بطائرة استطلاعية تقوم بتصويرهم وتحديد اتجاههم فأطلق أحد المجاهدين الرصاص عليها
فعادت أدراجها فتفرق جيش التحرير في مختلف الاتجاهات خاصة وأن تضاريس هذه القرية
الجبلية تساعد على ذلك... وبعد لحظات قليلة وصلت طائرات الدعم وبدأت قصفها
العشوائي على أطراف القرية وضواحيها أما في القضاء على المجاهدين لكن دون تحقيق
أية نتيجة لأن بعض المجاهدين تسللوا عبر الأودية والبعض الآخر وجد له مخابئ مناسبة.
وفي حدود منتصف النهار بدأت القوات
الفرنسية بإرساء جنودها على الأرض من أجل تضييق الخناق على الهاربين واسترجاع
الأسلحة المسروقة من الثكنة (باعتباره من المطلوبين) وهو ما سهل المأمورية على
جنود جيش التحرير وزادهم قوة وعزيمة وثبات خاصة وأن بحوزتهم أحدث الأسلحة، فبدأت
المعركة الحقيقية لتستمر إلى غاية صبيحة يوم الجمعة فشملت القرى المجاورة على غرار
قرية "إزعبارن" وقرية "أطروش"، فاستطاع المجاهدون رغم قلة
عددهم أن يلقنوا العدو درسا في فنون القتال لكون معظمهم شارك في الحرب الهند
الصينية فكبدوه خسائر كبيرة جدا أسفرت عن مقتل العشرات من جنود العدو الفرنسي من
بينهم قياديين مقابل استشهاد (05) مجاهدين فقط، وبذلك برهنوا للرائد عميروش على
كفاءتهم.
مجزرة_16_مارس_1956:
ونتيجة لهذه الهزيمة النكراء التي تلقتها
قوات العدو في ميدان القتال والتي تهين بكبرياء الجهاز العسكري الفرنسي وتماشيا مع
سياسة "المناطق المحرمة"، للوزير المقيم والحاكم العام في الجزائر
"روبيرت لاكوست" لم تجد القوات الفرنسية أية وسيلة لتبرير فشلها
واستظهار قوتها وطغيانها إلا بالانتقام من سكان هذه القرية المجاهدة.
فعمدت القوات الفرنسية منذ انطلاق المعركة
بإحاطة جميع مخارج القرية إذ تسمح بالدخول إليها في حين لا تسمح لأحد بالخروج
منها، وحتى عند نزول الظلام استعملت "السينيال" لتوضيح الرؤية (فأصبح
الليل كالنهار كما صرح به من عايشوا الحدث)، كما أسرعت في تلك الأمسية لقتل قائدا
المسبلين فاُستشهد أحدهم وجُرح الآخر ليستشهد في صبيحة الغد متأثرا بجروح بالغة.
وقبل بزوغ شمس صبيحة يوم الجمعة 16 مارس
1956م بدأت عملية المداهمة لكل بيوت القرية دون استثناء فبعد إخراج الرجال والنساء
والأطفال وتوجيههم إلى ساحة الاجتماعات في وسط القرية مكان يسمى "ثادارث
أوقماط" تتم عملية التفتيش ثم التحطيم والتخريب والحرق، أما الرجال غير
القادرين على المشي (بسبب العجز أو المرض أو الإعاقة) فتم قتلهم في بيوتهم وكان
عددهم (06) شهداء والسابع أُستشهد صبيحة الغد متأثرا بجروحه.
وبعد ذلك بدأ بتعذيب كل من له علاقة
بالمجاهدين خاصة نساؤهم وأمهاتُهم باستعمال شتى أنواع التعذيب وعلى مرأى الجميع،
وبعدها أطلقوا سراح النساء فسارعن ومعهن أبنائهن بالفرار إلى القرى المجاورة. في
حين ساقوا كل الرجال وكان عددهم (43) إلى خارج القرية مكان يسمى"أرزو
المولود" واهمين إياهم بإجراء التحقيق معهم، وفي طريقهم إلى الموقع سمع أحد
الرجال (وهو يفهم اللغة الفرنسية) حديث بين الجنود الفرنسيين بأمر قتلهم فأخبر
البقية بحقيقة الأمر، فحاول البعض الهروب ولكن لم ينجح في ذلك إلا رجل واحد بينما
استشهد البقية رميا بالرصاص.
وعند وصولهم إلى الموقع بدأت عملية تقتيل الأبرياء
على شكل مجموعات تتكون من شخصين عن طريق الضرب "بالبايونيط" ثم رميا
بالرصاص، فجاءهم أمر بضرورة إسراع العملية فحولوا القتل من شخصين إلى أربعة أشخاص
رميا بالرصاص، وبعد رحيل جنود الاستعمار عاد أحد "الخونة" يتحدث إليهم
باللغة الامازيغية يقول " لقد رحلوا أعداء الله فمن كان حيا فليتحرك لأقدم له
المساعدة" ولكن للأسف تحرك أحد المجروحين فأطلق عليه وابلا من الرصاص.
فأستشهد في الموقع (31) شهيدا، ونجا من هذه
المجزرة النكراء (11) شخصا أصيبوا بجروح بالغة التحق مباشرة (03) منهم بالثورة
والثوار وهم مجروحين. وبعد تنفيذ المجزرة لم تكتف قوات المُستدمر الفرنسي بذلك ولم
يُشفى غليلها بل قصف القرية مستعملة حوالي (08) طائرات فأحرقوها ودمروها ثم
أحاطوها بسياج تتخلله ثلاث نقاط للمراقبة (بقي إلى غاية الاستقلال)، واستمروا في
البحث عن الناجين من المجزرة وملاحقتهم.
أما عن الحصيلة الكلية لشهداء هذه المعركة
والمجزرة بمختلف القرى التي شملتها (حلية، أطروش وإزعبارن) فقُدرت بـ (66) شهيد،
منهم (45) شهيدا بقرية حلية وحدها.
حقائق_و_ارقام:
إن المتصفح لوقائع ونتائج هذه المجزرة يدرك
مدى بشاعة الاستعمار الفرنسي وحقده على الجزائريين فلا يتوانى إطلاقا في إعدام
المدنيين (مجردين من الأسلحة) دون محاكمتهم أو حتى الصاق تُهم متعديا بذلك على كل
القوانين الدولية والأعراف الإنسانية في مجال الحروب، وما هذه المجزرة إلا نموذجا
لمجازر أخرى أقترفها الاستدمار الفرنسي في الجزائر، ولتوضيح مدى بشاعتها نقدم نتائجها
بالأرقام:
قتل (61) شهيدا منهم حالة واحدة لاستشهاد
ثلاث إخوة و(07) حالات لاستشهاد أخوين، و(04) حالات لاستشهاد أب وابنه.
قتل (05) شهداء أطفال منهم حالة لشهيد سنه
12 سنة وأخرى 15 سنة.
قتل (06) شهداء شيوخ يفوق سنهم الستين سنة.
قتل شهيد وهو في فراش المرض.
قتل شهيد معاقا حركيا.
قتل (04) شهداء كانوا ضيوفا في القرية.
سجن وتعذيب شخصين بسبب معرفتهم للعدد
التقريبي للقتلى في صفوف القوات الفرنسية بعد إجبارهم على نقل الجثث.
تركت المجزرة ورائها (38) أرملة منها (02)
حاملا و(12) وحيدة دون أولاد.
تركت المجزرة ورائها (67) يتيما.
تركت المجزرة ورائها بيوت ودكانين محروقة
عن آخرها.
تعذيب نساء المجاهدين بأبشع الطرق وبمرأى
الجميع...
تسببت المجزرة في إعاقة بنت عقليا وحركيا
بسبب مشاهدتها لكيفية تعذيب وقتل أبيها وجدها وصهرهم وجرح أخيها.
وفوق كل هذا تركت قرية مهدمة ومسحوقة...
وسكانها (الأرامل واليتامى) مشردين...
علاقة_معركة_ومجزرة_حلية_ببعض_الأحداث_الأخرى:
هناك عدة أحداث
تزامنت مع وقوع معركة ومجزرة قرية حلية أهمها:
يوم 10 مارس 1956م: المهاجرون الجزائريون
ينظمون مظاهرات عارمة بفرنسا تأييدا للثورة الجزائرية.
وفي 17 مارس 1956م: اعتراف السلطات
الفرنسية بتدهور موقفها العسكري واتساع رقعة الثورة وإعلانها عن قرارات جديدة
تتعلق بتنظيم القيادة العسكرية في الجزائر.
وفي 22 مارس 1956م: استشهاد القائد مصطفى
بن بولعيد بالأوراس في حادثة الجهاز الملغم.
وفي يوم 29 مارس 1956م: اغتيال الأديب رضا
حوحو وهو في طريقه على متن القطار من سكيكدة إلى قسنطينة.
ونظرا لوحشية الاستدمار الفرنسي في تعامله
مع سكان قرية حلية وتزامن المعركة والمجزرة مع التحضير لمؤتمر الصومام 20 أوت
1956م وكذا ارتباطها بانتصار هام حققته الثورة من طرف أحسن المقاتلين بالولاية
الثالثة ممن لديهم الخبرة في ميادين القتال... جرت عدة مناقشات بين الحاضرين في
مؤتمر الصومام حول بعض القضايا المطروحة في المناطق المختلف وأخذت "معركة
ومجزرة حلية" نصيبا وافرا من النقاش على هامش المؤتمر مؤكدين على ضرورة
الانتقام لما حدث.
المصادر_والمراجع_المعتمدة_في_كتابة_المقال:
ـ معارفي القبلية المكتسبة ( كوني إبن
القرية).
- البروفيسور: يعلى فروق ( أستاذ محاضر في
جامعة محمد لمين دباغين / سطيف 02)، كتيب معركة ومجزرة حلية، 15 مارس 1956.
ـ المجلة الصادرة عن الجمعية الثقافية 20
أوت 1956م لولاية بجاية بعنوان: مؤتمر الصومام 20 أوت 1956م - إفري أوزلاقن، سنة
2016م، ص: 07.
ـ جودي أتومي، العقيد عميروش- أمام مفترق
الطرق، دار ريم للنشر، ط02، الجزائر، 2006م، ص: 98 إلى 102).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ بلال_بطوم