يتفق الجميع انه في الفترة الأخيرة لوحظ تغير مفاجئ
أو تسجيل تسونامي استهلاكي للفرد الجزائري
تغذيه الإشاعات بندرة بعض المواد الاستهلاكية ذات الاستهلاك الواسع و هذا
ما تم ملاحظته على مستوى المحلات
التجارية و المساحات الكبرى فبات الشغل
اليومي للفرد الجزائري هو كيفية الحصول على
قارورة زيت أو الفوز بقطعة
دجاج وظل يقف ينتظر لساعات دون أن يعرف هل
يأتي الزيت مثلا أم لا ؟ و كأنه أصبح يردد
تلك الأغنية المعروفة لدى الجميع : " راه جا الزيت نوض تشري "
ولعل السبب الرئيسي هو أن المستهلك الجزائري أصبح
سجين سياسة الاحتكار و الإشاعة التي أثرت بالفعل في كيانه الشخصي و تحكمت في كل
قواه العقلية وجعلت يومياته تتمثل في
البحث فقط عن الزيت و الدجاج . و لو نركز
قليلا نجد أن هذا الجزائري اللهفان هو في الحقيقة الذي اختلق هذه الفوضى و هذه
الهستيريا الاستهلاكية ليجعل من نفسه المتهم و الضحية في الوقت نفسه ، فاقتياده وراء هذه الإشاعة ( راهم قالوا.....
بان المادة كذا... ستنقص جعله ينتفض في
كل مرة وبكل عنفوان للحصول عليها بكميات
كبيرة و تخزينها و كأن
استمرارية حياته قائمة فقط عليها
فمرة الدقيق و مرة الزيت و مرة الدجاج و ربما في المستقبل القريب " الزلابية
" و الله غريب أمر هذا المستهلك
الجزائري
فهذه العدوى الانفعالية انتقلت بسرعة البرق بين الناس فتحول المجتمع من حالة العادي الى
حالة غير العادي ان لم نقل المرضي . فلعلي أرى أن الجنون هذه المرة انتقل من
المصحات و المستشفيات الأمراض العقلية و النفسية إلى فضاء المجتمع الواسع فظل اغلب الجزائريون يتدافعون على اقتناء السلع
كتدافع جماهير كرة القدم عند دخولهم الملاعب . فعن اي مستهلك نتكلم اليوم في ظل
جائحة كرونا وضرورة اعتماد البروتوكول الصحي للوقاية من انتشارها في ظل ظهور
سلالات جديدة و أكثر انتشارا و تأثير؟ و أي مجتمع
نحدد انتماءنا اليوم بعدما
كنا في مجتمع يؤمن بصناعة المعرفة و
الإنتاج لنغرق في مجتمع الزيت و الدجاج ؟
إن احتكار السلع و تخزينها سواء على المستوى
الفردي ( الاستهلاك المنزلي ) او
التجاري على مستوى المخازن وحتى على مستوى آماكن تخزين مواد البناء و ربما في
المستقبل على مستوى استطبلات تربية المواشي و الأبقار سلوك يبين سلبية الشخصية و أنانيتها في التعامل
مع الذات و الأخر و عدم التعايش المتكامل بين الجميع في ظل البحث عن سبل الربح
السريع و اللاشرعي و لو على حساب كل ما نمتلكه من قيم ، عادات و تقاليد و كرامة الإنسان
في حد ذاته .
بالفعل أصبح مجتمعنا يئن و يتألم بصوت مرتفع لانتشار هذه السلوكات المرضية الغريبة عنه ، هذا الوضع بات مقلقا جدا للحياة اليومية الكريمة و يحتم علينا ضرورة إيجاد إستراتيجية مستعجلة للتكفل و الوقاية ، إستراتيجية من شانها الرجوع إلى ما هو عادي و ما هو مقبول اجتماعيا في ظل تعايش بين جميع الأطراف ( المستهلك ، المنتج البائع ، التاجر ) أما حان الوقت بان تتدخل الجهات المعنية ،الامنية ، الرقابية المختصة لتضرب بيد من حديد و دون رحمة لهؤلاء المحتكرين؟ أما آن الأوان للخطاب المسجدي أن يفتي في تحريم هذه الممارسات من خلال التوعية و النصح ؟ أما آن الأوان لمختصينا في علم النفس و علم الاجتماع لدراسة هذه السلوكات غير العادية أو المرضية للفرد الجزائري في جانبه الاستهلاكي؟ أما حان الوقت لجامعاتنا الخروج من قوقعتها الأكاديمية و الاتجاه نحو المجتمع الذي تتواجد فيه لمعالجة هذه الظواهر السلبية الخطيرة ؟ أما آن الوقت لهد ا المستهلك أن يقف أمام المرأة للتعرف على حقيقة صورته التي يراه في هذه المرآة ؟ تلكم هي تساؤلات ضروري الإجابة عليها بسرعة و بصرامة لأجل حياة أفضل و من اجل جزائر جديدة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الاستاذ الدكتور لونيس علي ، قسم علم النفس جامعة سطيف 2