هل السلطة بصدد تأميم ما تبقى من مصادر
التاريخ غير الرسمي في الجزائر؟
إذا كانت السلطة قد ضمنت بقاء الأرشيف بعيدا عن أيدي الباحثين لردح من الزمن، بصفة مباشرة أو غير مباشرة –وهنا لا نقصد فقط الأرشيف الموجود خارج الوطن-، فإنها انتقلت إلى خطوة أخرى لا تقل خطورة عن الأولى، رغم أنها تقدّم في صورة العمل الجبار والإنجاز الضخم الذي يخدم الذاكرة والتاريخ. أقصد هنا بالتحديد عملية تسجيل الشهادات التاريخية من المجاهدين والفاعلين في ثورة التحرير 1954-1962، والتي تبنتها وزارة المجاهدين من خلال المتاحف التابعة لها والموزعة في مقرات الولايات، حيث تشير الأرقام التي تقدمها هذه الجهات إلى تسجيل آلات الساعات من الشهادات التاريخية، غير أن العملية تثير العديد من التساؤلات، حول آليات تنفيذها وأهدافها.
وإذا كان الإشكال الأول مرتبط بآليات المحافظة على الأرشيف سريع التلف والزوال، وطبيعة الهيئات التي أسندت لها العملية مع علامات الاستفهام التي تراكمت على هذه المسألة، فإن الإشكال الآخر مرتبط بآليات استفادة الباحثين منه، إذا عرفنا أن حيازته لنفس الجهات التي ظلت ولعقود تمارس التضييق على الأرشيف وتتعامل مع الباحث ببيروقراطية.
إن عملية تجميع وتسجيل وتفريغ الشهادات التاريخية ليست مجرد عملية تقنية حتى تقوم بها المتاحف لوحدها، وإن كان ذلك لا يخلو من الإيجابيات؛ فإننا نتساءل في الوقت نفسه عن موقع مخابر البحث، خاصة وأن أقسام التاريخ أصبحت منتشرة في كثير من الجامعات، فلماذا لا تخصص وزارة المجاهدين بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مشروعا للقيام بالعملية توفّر له التغطية المالية والإمكانيات التقنية التي تسمح بالمحافظة على الذاكرة بطريقة تخدم البحث التاريخي وتسمح باستقلالية المصدر، بحيث يكون متاحا للاستغلال، بعيدا عن الاحتكار والبيروقراطية التي تمارسها بعض الجهات، لأننا بالطريق الحالية بصدد إنتاج أرشيف جديد، لكنه أرشيف مشوه، وسيقبع هو الآخر تحت سلطة رقابية وبيروقراطية.
محمد بن ساعو / الحوار المتمدن-العدد: 6421
- 2019 / 11 / 27 - 18:51