الاعتذار ( mea
culpa ) ثقافة سياسية متطورة
في الدول العريقة في الممارسة السياسية ويلجأ إليه السياسيون على الأكثر كوسيلة من
وسائل التواصل مع الجمهور للنأي بأنفسهم عن أخطاء ماضية ارتكبتها دولتهم أو
أحزابهم أو ارتكبوها هم أنفسهم، أو كوسيلة اعتذار حقيقية عند نهاية الحياة
السياسية إثر الفشل في تجسيد وعود - انتخابية عادة - أو تحقيق آمال كانت الجماهير
تعقدها على ذلك القائد، أو عند ارتكاب أخطاء لا يقبلها الذوق العام أو جرائم مالية
أو أخلاقية والغرض من كل هذا إظهار الزعماء بصورة أكثر إنسانية في مقابل صورة
الماضي التي كان يبدو فيها الزعيم عصيا على كل تراجع أو خطأ..
ويشترط لنجاح الاعتذار شروط كثيرة تتعلق
بالشكل والمضمون كتوقيت الاعتذار وصدقيته - التي تمر عبر الاعتراف بالذنب وتصحيحه
- واختيار الكلمات وغير ذلك مما يعرفه الخبراء والدارسون..
لكن اعتذار بوتفليقة لا يستجيب لكل هذا!
فمن جهة التوقيت لا يزال الحراك يصارع
الدولة السرطانية العميقة التي نهبت وخربت وأفسدت وباعت الوطن،
ومن جهة الصدقية لم يعترف الرئيس السابق
بأي من أخطائه بل جعلها اخطاء محتملة داخلة تحت عنوان البشرية وجعل اعتذاره داخلا
تحت عنوان الملائكية التي تعتذر من الذنب قبل وقوعه!
لم يعترف الرئيس المقال لا بسرقاته ولا
بخياناته ولا بتمكينه جيوش الناهبين من خيرات الوطن، ولا جيوش المحتلين من أسراره
وسياسته وثقافته واقتصاده، ولم يعترف بأم الخطايا: نورية بن غبريط..
ولذلك فإن اعتذار الرئيس المخلوع نفاق
سياسي لا صدق فيه لأنه ذكر الصغيرة وجحد الكبائر والعظائم، واعتذار في غير وقته
وغير محله لأن المعركة لا تزال قائمة مع عصابته وأمهات المفقودين لا تزلن لا يعرفن
خبرا عن أبنائهن، وهو غير مقبول لأنه لا اعتذار قبل القضاء والمحاكم حين تكون
الجرائم موصوفة كالسرقة والخيانة العظمى، وهو اعتذار غير مقبول أخيرا لأن من
الذنوب ذنوبا لا تغتفر ، وذنوب المخلوع من هذا النوع بالذات..
الدكتور / علي حلتيم – كاتب و ناشط.