إنه موعد في حضرة التاريخ و الذاكرة ، فضيفتنا
اليوم هي ابنة ولاية سطيف المجاهدة العظيمة و المرأة البسيطة و الخجولة و البشوشة "
يمينة شراد " زميلة مليكة قائد في
الدراسة و الكفاح و المشرفة على أول
مستشفى حربي ميداني بالولاية التاريخية الثانية خلال حرب التحرير الكبرى.
"يمينة شراد" التي هاجرت عائلتها من جنوب
سطيف بعد القضاء على ثورة المقراني من طرف
الاحتلال الفرنسي لتستقر بحي بلير و هناك
كان لها الحظ لدراسة التمريض في أول دفعة بمدرسة التمريض التي ظهرت بسطيف سنة 1947 و
التي أسسها الطبيب الجزائري سماتي عبد
القادر .
بعد حصولها على شهادة في الاختصاص بدأت"يمينة
شراد" عملها بمستشفى بوقاعة (لافييت سابقا) ثم تنقلت الى مستشفى سطيف و من هناك انخرطت
في الكفاح المسلح على غرار زميلاتها من نفس الدفعة و هن ، الشهيدة مليكة قائد ،
المجاهدة الويزة عطوش ، مسعودة بهبار و فاطمهة الزهراء أم جكان.
تعتبر يمينة شراد من أول المجاهدات اللائي
التحقنا بالثورة ، بدأت عملها في الجبل كممرضة ثم مشرفة على أول مستشفى ميداني
بالولاية الثالثة بمنطقة أولاد عسكر بجيجل بعد أن تنقلت بكل من تاشودة جميلة ،جبل
بابور و جبال الحلفة و غيرها .
"يمينة شراد" و بعد محاولة تهميشها حتى من
طرف رفقائها في السلاح باعتبار أن أغلب
جيل الاستقلال بولايتها سطيف لا يعرفها ، إلا أن عزيمتها و إصرارها جعلها
تنظم إلى بطلات أخريات كتبنا مذكراتهن
أمثال زهرة ظريف بيطاط و زهور ونيسي ،
ليظهر لها سنة 2017 كتاب بعنوان 06 سنوات من الكفاح .
الكتاب عبارة عن مذكرات شخصية لكفاح امرأة
جزائرية سطائفية قاومت الاستعمار بكل قوة و تحدي حتى الاستقلال ، و قد صُنف هذا الكتاب من طرف المهتمين بتاريخ
الجزائر المعاصر بأنه أحد أهم المصادر القليلة للكتابات النسوية في الجزائر ، باعتبار
أن الكتابات التاريخة هيمن عليها الرجال
لأن قليلا فقط من النساء من دخلن المدرسة و نلنا الشهادات ثم التحقنا بالثورة
كقياديين و مؤثرين ، و يمنية شراد واحدة من هؤلاء القلة .
المهندس " سليم بطاش " قدم لمتابعي صوت سطيف قراءة في كتاب المجاهدة و كتب قائلا :
تعتبر المجاهدة" يمينة شراد بن
ناصر " من مجاهدات الرعيل الأول ومن الشباب الذي آمن بالثورة وساندها بكل ما
أوتي من قوة ، وعاش اصعب ظروفها و رأى ما قاساه الشعب من ويلات الاستعمار.
و قدم المجاهد الطبيب لمين خان
للكتاب و للمجاهدة و اعطى وصفا لما عايشه الشعب وما قدمته المجاهدة من تضحيات و
آمال من عايشوا المرحلة..
حررت المجاهدة الكتاب في ثلاثة أقسام
و ثلاثة ملاحق ؛يبدأ بتناول حياة المجاهدة قبل الالتحاق بالثورة في الحي الشعبي
بلير الذي ولدت فيه سنة 1936 من أب معلم للقرأن و أم ماكثة بالبيت و كان للبنت
امينة حظ في التعليم في المدارس الكولونيالية و حتى الأخت غير الشقيقة التي تدعى ب
"نانة" كانت المصدر الأول للوطنية عند المجاهدة يمينة.
تصف الكاتبة يوميات الناس ببساطتها
مع العوز و الفقر والرضا و اختلاطها بأبناء الاقدام السوداء في حيها رغم المستوى
المختلف للمعيشة و مناقشات الناس بين المهمة الحضارية لفرنسا و الظلم المطبق على
الأهالي و حرمانهم من أبسط حقوقهم.
لتبدأ الدراسة في مدرسة البنات
"الشهيد مجاوري " حاليا و تتعهدها السيدة خبزي الفرنسية المتزوجة
بجزائري هي و قريناتها حتى بعد دخولها لمدرسة تكوين الممرضات ، وأحداث 08 ماي 1945
وأثرها في المحيط و العائلة.
مع بداية التعليم في مدرسة البنات
تبدأ الطفلة تكتشف أفاقا جديدة وصديقات جدد تتحدث عن ذكريات الدراسة التي تبقى
منقوشة في الذاكرة.
بعدها تنتقل إلى مدرسة الممرضات
بسطيف التي أسسها الدكتور عبد القادر سماتي سنة 1949 لتحضير ديبلوم التمريض حيث
يخضع المتربص لثلاث سنوات صارمة من التدريب و التعليم يكلل بدبلوم يجري فحصه في
الجزائر العاصمة.
هذه المدرسة التي يشرف عليها الدكتور
سماتي وتسيرها الأخوات البيض الراهبات ، يبدأ التكوين مع رفيقات الدرب التي لم يكن
مخطط لها بأن تكن من طلائع المجاهدات مثل مليكة قايد ، لويس عطوش ، مسعودة بهبار،
فاطمة الزهراء اومجكان ، شراد يمينة.
تتحدث عن رحلتها إلى العاصمة لإجراء
الاختبار النهائي التي كانت أشبه بالحلم واكتشاف العاصمة وحجم الانبهار بطريقة
ونوعية الحياة التي تعيشها طبقة الأقدام السوداء لتصدم بحالة البؤس والأمراض التي
يعيشها الاهالي الجزائريين في القصبة عند اختتام امتحانها بتربص عملي..
تعود لمدينة سطيف في سنة 1953 كممرضة
مؤهلة تلزمها تربص اقامي اجباري لكي ترسم كممرضة, وتنطلق شرارة الثورة المباركة
ويبدا المستشفى في بداية سنة 1955 في استقبال الجرحى من الأوربيين ومن الجزائريين
المسجونين من طرف الجيش الفرنسي , وتشتعل نيران العنصرية من طرف الأطقم الطبية
الفرنسية ضد كل ما هو جزائري سواء من الجرحى او العاملين الذين لا يملكون الا السمع
والتحمل والصبر.
تبدأ اتصالات الجبهة بالممرضة الشابة
من اجل معالجة الجرحى من العمليات الفدائية التي تنجح في معالجتها وتكثر العمليات
الفدائية ويبدأ هاجس اكتشافها في أي وقت و هو ما يشكل خطرا على العائلة بأكملها..
لتقرر الالتحاق بالجبل بعدما سمعت
بالتحاق رفيقتها مليكة قايد ولويس عطوش يوم 12 نوفمبر 1956 انطلاقا من سطيف نحو
مدينة العلمة نحو تاشودة كأول مكان تبيت فيه ثم نحو جبال البابور على متن حصان
رفقة المجاهدين وتبدأ حياة الجبل من بابور الى الواد الكبير , الزويتنة, لمنازل ثم
جبل الحلفة متجولة بين الجبال لتداوي الجرحى من المدنيين والمجاهدين..
لتستدعي بعدها سنة 1957 لتسيير أول
مشفى ميداني في منطقة بوداود بني عافر وبوعيرور بالولاية الثانية التاريخية ويصل
عنفوان الثورة الى اوجه فتكثر عمليات التمشيط المستمر والقصف اليومي بمختلف انواع
القنابل حتى المحرمة دوليا كقنابل النابالم الحارقة وما أحدثته من ضحايا..
وتظهر شراسة العدو في قمتها في
محاولة اختراق الثوار و حبك المؤامرات التي طالت الثوار, لتجد المجاهدة نفسها في
قلب مؤامرة متهمة بالخيانة فذات ليلة من شهر أفريل من سنة 1958 بمنطقة
بوعيرور, تتفاجئ يمينة بجنديين يوقظانها بعنف في عز الليل ويكبلانها ثم يطرحان
عليها بوابل من الأسئلة عن جهاز الراديو الذي تخبؤه..
لتساق مباشرة إلى التحقيق بتهمة
التواطؤ مع الملازم معمر الفار من الجيش الفرنسي بتهمة إخفاء جهاز
الراديو الذي يستعمل للاتصال بالعدو, ويتم مقابلتهما وتسمع بأذنيها اعترافاته
لتبقى مصرة على براءتها وانها لا تعرف اي شيء عن الراديو وتضيق الدنيا بما وسعت
وترى ان ساعة النهاية قد حانت..
وتساق الى مكان تدرك بمجرد الدخول
اليه وترى المجاهدين الحاضرين انها المحكمة وتبدأ المحاكمة مع حضور المتهم ويبدا
التحقيق بوجود الحديد المحمي على النار ورائحة اللحم المكوي، و يبدأ الملازم الفار
غير الحقيقي الذي اراد اختراق صفوف الثورة بالاعتراف بمكيدته وتبرأ المحكمة
المجاهدة وزملاءها الآخرين من تهمة الخيانة..
لتعتذر لها القيادة وتنظم لها زيارة
لمدينة العلمة تلتقي فيها والدتها لمدة يوميين يتبادلان فيها الاشواق والاخبار
وتعلم ان والدها توفي منذ سنة وترمم هذه الزيارة نفسيتها وتعود الى الجهاد بنفس
جديد..
وتستمر سنوات النار والدمار في بني
عافر و في سنة 1959 تبدأ المجاهدة في التعرف على مسؤولها المباشر طالب الصيدلة
الشهيد بشير بن ناصر ويبدأ إعجاب الطرفين يبعضهما، و لم يكن حينها يرخص لزواج
مجاهد مع مجاهدة الا في بداية 1960 على الاقل في الولاية الثانية التاريخية لتتزوج
بمنطقة العقلة بتاكسانة مع بشير بن ناصر و يتم زفافهما في قلب الجبل بملابسهما
الاعتيادية في حضور زميلاتها في المشفى الميداني و جنود الحراسة و بعض الجرحى..
تتذكر يمينة شراد في مذكراتها
استضافتها من طرف عائلة خلاف بمدينة جيجل اثناء فترة وضع مولودها سعيد وكيف تم
الترحيب بها والمخاطرة بحياة الاسرة من اجل ان تتلقى احسن ظروف الولادة وعند
انتهاء فترة الامومة تستدعى الى الجبل حاملة مولودها معها لتعلم بعدها ان زوجها
استشهد قبل ولادة ابنه بعشرة ايام في 02 ديسمبر 1961 بمدينة قسنطينة..
تسيير الأيام بنفس الوتيرة بين كر
وفر مع التمشيط والقنابل حتى تاريخ وقف إطلاق النار لتستدعي في جوان 1962 للنزول
من الجبل وتسيير مركز صحي بضواحي قسنطينة تركته السلطات الفرنسية وبعد اعلان
الاستقلال بداية دخول جيش الحدود تبدأ معاناة المجاهدة مع الاستفزازات والتهديدات
مع السلطات الجديدة.
في نفس الوقت تلتقي مع امها وتأتي
عائلة زوجها التي كانت نازحة في تونس لزيارة زوجة ابنهم وحفيدهم وتلتقي العائلة
الكبيرة وتحس بأجواء من السعادة منقطعة النظير لا تعكرها إلا زيادة الضغوط غير
المحتملة من السلطات الجديدة مما جعلها تقرر الانتقال الى تونس رفقة عائلة زوجها
لتستريح نفسيا وجسديا لتنتهي بزواجها من اخ الشهيد من اجل الحفاظ على الجو الأسري
للطفل الصغير..
وتعود للدخول الى الجزائر بداية سنة
1963 لتعمل ممرضة بثانوية الحرية بقسنطينة ثم تستقر في الجزائر العاصمة حتى اليوم.
لتبقى مذكرات المجاهدة يمينة شراد بن ناصر شاهد على جيل عايش الاضطهاد والظلم تحت سطوة المستعمر و آمن بحرية الامة واستقلالها وجاهد بالنفس والنفيس ليعيش أبناءها في ظل الحرية والاستقلال صانعين ثورة تبقى نبراسا يقتدي به الاحرار في العالم ولا يريدون من شباب اليوم غير الوعي بنعمة الحرية وجسامة ما قدموه في سبيل ان يعيشوا بسلام.........
.............أنتهى الملخص.............
عاشور جلابي / صوت سطيف.