من شهداء سطيف، المعدومون الخمسة 24 أوت 1958 ــــــــــــــــ الجزء الأولى
الدكتور : خليل كمال- قسم التاريخ والآثار - جامعة محمد لمين دباغين - سطيف 2 -
مقدمة :
تميز اندلاع الثورة الجزائرية المباركة يوم الفاتح من شهر نوفمبر 1954م بالتنظيم المحكم ، والسرية في الإعلان وهو ما ترك الكثير من المناطق ومنها منطقة سطيف تتأخر في مواكبة هذا الحدث العظيم ، وكذلك لقلة الإتصال داخل عمالة قسنطينة بعد تعيين الشهيد ديدوش مراد في صائفة 1954 ، الذي وعد مناضلي المنطقة بالإتصال عن طريق مشاطي محمد، لكن الظروف لم تسمح بذلك ، وكذلك غياب المنطقة عن إجتماع لجنة 22 كل تلك العوامل أجلت العمل المسلح إلى غاية 1956م، رغم تواصل التنظيم والعمل السري مع مطلع عام 1955. أولا : الثورة في منطقة سطيف :
لقد كانت منطقة سطيف حلقة ربط بين مختلف أرجاء الوطن خاصة بين مدينة الجزائر وقسنطينة، وحتى بين الساحل والصحراء من ناحية الجنوب، لذلك عرفت زيارات مكوكية للعديد من الإطارات والمناضلين والزعماء سواء إليها أو مدينة العلمة التي إستقر بها المناضل المشهور الطبيب محمد لمين دباغين منذ 1946م ، لذلك كانت مقصد كل من محمد بوضياف، ومصطفى بن بو العيد، و محمد العربي بن مهيدي الذي يعرفها منذ 1949م وإستقرار أخته وزوجها الشيخ علي مرحوم بها لاحقــا عـام 1950 مع تدشين مدرسة الفتح في نفس السنة
وقد كانت سطيف على أهبة الإستعداد مثلها مثل باقي مناطق الوطن للحدث العظيم ، حيث سارع زعماؤها ومناضليها إلى ربط الإتصال بالعاصمة وبمحمد بوضياف منذ صائفة 1954م ، ويؤكد المجاهد محمد النذير معيزة ( مسؤول ناحية سطيف ) أنه تلقى الأمر من بوضياف للإلتحاق بمدينة الجزائر حيث التقى بن مهيدي و ديدوش مراد وتم التأكيد على الإستعداد الجيد وإعادة تنظيم الخلايا القديمة التي تشتت بعد إكتشاف المنظمة الخاصة في مارس 1950م.
والحقيقة أن منطقة سطيف كانت مهيكلة جيدا لبعدها عن القمع الذي مس مختلف الإطارات في باقي المناطق من الوطن ، ولم يصل شهر نوفمبر من نفس السنة حتى تم تأمين الأسلحة ، وتبليغ الأوامر إلى مختلف المناضلين ، ويشير المجاهد رابح حربوش أنـه تـم الإتصال بالأعضاء المخلصين من قدماء المنظمة الخاصة وعلى مشارف الأحداث أحصت سطيف 45 مناضلا جاهزا للعمل موزعين كما يلي:
21 مناضلا في مدينة سطيف
6 مناضلين في عموشة
6 مناضلين في أولاد علي بن ناصر .
6 مناضلين في عين الكبيرة .
6 مناضلين في العلمة .
كما يضيف نفس المجاهد أن سطيف كانت غائبة عن أحداث أول نوفمبر لغياب الإتصال ، ولكن ذلك لم يمنع من مواصلة التنظيم والبقاء على أهبة الإستعداد .
وفي أواخر شهر نوفمبر ، بعد توسع الأحداث وانتشارها قامت الشرطة الفرنسية في سطيف بسلسلة مداهمات واعتقالات لقدماء المناضلين والمشبوهين، حيث تم إلقاء القبض على الشهيد السعيد بوخريصة الذي تمت محاكمته بشكل صوري ، وحكم عليه بثمانية أشهر في سجن الكدية بقسنطينة. وهناك التقى بالشهيد مصطفى بن بو العيد الذي شرح له ظروف إندلاع الثورة وضرورة ربط الاتصال بالأوراس لتلقي الأوامر في كيفية نقل الثورة إلى منطقة سطيف.
ولما خرج السعيد بوخريصة من سجن الكدية بقسنطينة في شهر أوت 1955م ، حاول ربط الاتصال بمنطقة الأوراس التي تنقل إليهـا رفقة الشهيد علي معيزة وبالضبط نحو أريس لكنه لم يفلح في مسعاه لأن المنطقة كانت محرمة ومحاصرة من طرف القوات الإستعمارية .
تواصل نشاط مناضلي سطيف لربط الاتصال خاصة مع الولاية الأولى، وقد ذكر لنا المجاهد المرحوم ساعد سعادنة أنه تنقل هو كذلك إلى الشمرة للقاء بعض المناضلين لكن مساعيه فشلت ، لكنه أخذ وعدا من أحد مسؤولي المشتة أن الإتصال سيصل إلى سطيف لاحقا . ومع مطلع الخريف من نفس السنة ( 1955م) عاد الشهيد السعيد بوخريصــة الكــرة نحو الولايــة الأولى وتحديدا إلى مقرة بالقسم الثالث من الناحية الرابعة ، المنطقة الأولى . ومن هنا تم تكليفه بالتنظيم داخل المدينة وخارجها ، وبدأ العمليات ضد الإستعمار خاصة لضرب المنشآت الحساسة كتخريب وتحطيم أعمدة الهاتف والكهرباء في كل المنطقة لمنع أو تعطيل الإتصال بين مختلف القوات المنتشرة في المنطقة
بعد إنعقاد مؤتمر الصومام في 20 اوت 1956م - تقرر إعادة تنظيم الثورة في منطقة سطيف، وبذلك قسمت بين الولايات الثلاث ، الثالثة التي تمتد من طريق خراطة حتى السكة الحديدية بسطيف شرقا ، أما إلى أولا الولاية الأولى فتمتد من البرج وتمر خارج حدود المدينة . أما الولاية على الـ الثانية فتمتد شرقها حتى الخط الفاصل في سوق الإثنين. وقد أشار ويكو تقرير الصومام أن المدينة تتبع الولاية الثالثة مع أحقية الولايتين في وجود التموين من المدينة .
ويبدو أن مسألة التقسيم هذه ترجع إلى الإمكانيات التي تتوفر عليها منطقة سطيف في تدعيم الولاية الثالثة التي كانت تفتقد إلى المال والدعم اللوجيستي ، ويذكر عمار جمعاوي أنه سمع العقيد عميروش يقول أن الولاية الثالثة وسطيف كانت قد قدمت إلى الولاية الأولى مبالغ مالية معتبرة على ثلاث دفعات متتالية ، حيث قدمت في الدفعة الأولى 30 مليون فرنك ، ثم 50 مليون فرنك ، وفي الأخير 40 مليون فرنك وهو ما ترك الولاية الأولى تسعى جاهدة إلى ضم سطيف إليها ، وتحقق ذلك منذ جوان 1959م إلى غاية الإستقلال
ثانيا، النشاط الفدائي في مدينة سطيف:
بدأ النشاط الفدائي في مدينة سطيف مع التحاقها بركب الثورة التحريرية ، وان كانت بعض الشهادات تحمل جزءا من الغموض والإبهام، فإن شهادة المجاهد غرزولي الربيع المدعو بوزيد كانت واضحة فيما يخص الاتصال بالولاية الأولى من خلال الشهيد السعيد
بوخريصة والخضر دراجي ( مسؤول خلية في المدينة ) ، حيث اتجها ، أما إلى أولاد تبان ، و إلتقيا بالمسؤول العسكري مصطفى رحال الذي أكد على التنسيق بين مختلف الخلايا الموجودة في المدينة في العمل والنظام ويكون بوخريصة هو المسؤول الأول عن الفداء. وهذا مايدل على لين في وجود خلايا منظمة ومجهزة في المدينة قبل الإتصال أي خلال وجود بوخريصة في السجن بين توفمبر 1954 - أوت 1955) .
أما المجاهد عمار جمعاوي ، فإن شهادته تخص الناحية الشمالية حيث يؤكد ان الثورة زحفت إلى مدينة سطيف من الولاية الثالثة مع مطلع عام 1955م ، عبر جبل لعنيني ومقرس ، والبابور ، وسرج الغول ، والدهامشة ، والذكارة واولاد علي بن ناصر من خلال بلقاسم السماتي ، والشيخ العيفة ، واحمد ناصر، وقدور بلعز، وقدور بوالحية ..
كما لا ننسى مؤتمر الصومام الذي أرجع المدينة الى الولاية الثالثة ، ودور الشهيد الشيخ العيفة بورقبة في تنظيم الفداء بها ، وإستمر الحال إلى غاية 1959م ، والمدينة هي التي تمون جنود ومجاهدي الولايتين الأولى والثانية . كما عرفت عملا فدائيا نوعيا بعد التنظيم إستمر إلى غاية الإستقلال .
وبذلك تشكلت العديد من الخلايا الفدائية في المدينة أهمها :
الخلية الأولى وتظم : ( لخضر دراجي ، غرزولي الربيع ، جيلاني ووقع ال احمد ، مدور يوسف ، زادي مسعود ، حنيش عمار، طقيع أحمد
الخلية الثانية وتظم : ( السعيد بوخريصة ، أحمد روابــح ، عباس مسعود، قلاتي العربي، قيدوم لحسن ، مهادة عبد القادر، فرية الفدائي قويدر، عمار زواق ، عون لخضر ، بعيبع الخير ، كتفي عبد العزيز، لعوج العيد ، بودوخة محمد ( كباينة ) ، مزاغشة العمري ) . الخلية الثالثة وتظم : ( زغوان رابح ، ذهابة عبد الحميد ، حبلي العيد ، شرفي صالح ، زروقي علي (علاوة ) .
الخلية الرابعة وتظم : ( لبصير الفضيل، صابري عبد الرحمن تحت وبلخصـاي الجودي ، مزعـاش رشيد ، عالم المختار )
و تفيد الأخبار والشهادات المختلفة ، انه لم يكن هناك تنسيق بين هذه الخلايا المنتشرة في كامل أرجاء المدينة لكن يبدو لنا أن بوخريصة كان له إلمام واسع بما يحدث من خلال بعض المسؤولين الذين له بهم معرفة سابقة ، لذلك ترك النشاط حرا لكل خلية في موقعها ومجالها الجغرافي .
يبدو أن شهادة غرز ولي لم تكتمل لوقوعه في الأسر منذ شهر نوفمبر 1956م ، لذلك فإن النشاط الفدائي قد تواصل في المدينة واستمر إلى غاية الإستقلال . والذي يهمنا في هذه المناسبة هو الخلية الفدائية التي تزعمها بعض الفداء يين خلال عام 1958م ، لكنها بقيت مجهولة ووقع الإرتياب في إلقاء القبض على عناصرها وإستشهادهم لاحقا في يوم 24 أوت 1958م .
يؤكد عمار جمعاوي ( أحد مسؤولي الفداء في المدينة ) ، أن العمليات الفدائية إزدادت نشاطا منذ 1957م ، وأصبحت الإدارة العسكرية غير قادرة على التحكم جيدا في الوضع . خاصة بعد دخول السلاح إلى المدينة خاصة المسدسات والرشاشات ، والقنابل الزمنية ، ووصل عدد هذه العمليات إلى أكثر من 3 في اليوم الواحد في أماكن مختلفة . لهذا تعرضت المدينة إلى حصار سبتمبر 1957م الذي دام أكثر 15 يوما وقد جاء بعد معركة الجزائر، حيث حولت قوات المضليين إلى سطيف تحت قيادة النقيب ليجي لتطهير المدينة كما فعل في مدينة الجزائر
حسب زعمه فإستقبله الفدائيون بالقنابل فقال : (( نحن في مدينة الجزائر الثانية )) .
وأعطيت الأوامر من القيادة لتكثيف النشاط ، وإسقاط صورة الإستيلاء على المدينة وفرض الأمن فيها .
وخلال سنة 1958م ، إزداد النشاط الفدائي في المدينة بشكل المجيد لافت، حيث يؤكد المجاهد عمار جمعاوي إلى غاية جـوان من نفس حانة = السنة بلغ عدد العمليات 10 في اليوم في أماكن متعددة من المدينة، لكثير ونعتقد أن هناك خلية كان لها دور هام في هذا النشاط ولكن لإستشهاد والمدين جميع أعضاءها لم نجد حولها الكثير ، وتتكون هذه الخلية من : مبارك ، خاصـ سوالمي ، ومسعود مهني ، وستر الرحمن عبد الواحد المدعو ( الخضر المعمري بعيد جارف) ، وعلي حلتيم ، وعبد المجيد بودهان . وقد كان لها نشاط كبير إلى غاية إكتشاف عناصرها ، وحصار المدينة وإستشهادهم .
وكان من بين ما قامت به هذه الخلية :
- الهجوم على قاعة سينما ستار ، يوم 4 فيفري 1958م(1)، وإلقاء قنبلة يدوية داخلها ، حيث أصيب العديد من الفرنسيين المدنيين و العسكريين ، حيث يلجا إليه الجميع لأخذ المزيد من الراحة وذلك بمشاهدة الأفلام السنيمائية التي تعرض خصيصا للفرنسيين بهدف تغيير الأجواء والترويح عن النفس ، وكذلك لنسيان جـو الحــرب والرعب الذي فرضته الثورة عليهم وعلى عملائهم . وقد أحدثت هذه العملية إصابات بليغة وضجة كبيرة في نفس المعمرين الذين بلغت يد الثورة إلى مقاعد جلوسهم ، في مدينة يدعي الإستعمار التحكم في زمامها .
- أما العملية الثانية ، فقد كانت من تنفيذ الفدائيين بودهان عبد المجيد ، وعلي حليتيم يوم 14 مارس 1958م ، تمثلت في إلقاء قنبلة في حانة شارلوا في نهج القديس سانت أوغسطين ، وهو المكان المفضل لكثير من المعمرين للتجمع وتبادل أخبار ما يحدث في الجزائر عموما والمدينة خاصة . ويبدو انها أحدثت أضرارا بليغة في الأرواح والأملاك ، خاصة وان الثورة ركزت على هذه الأماكن لما لها من تأثير في نفس المعمرين ، لبعث الرعب فيهم ، وإرسال الرسائل المشفرة بان لا أحد بعيد عن ضربات الثورة سواء كان مدني أو عسكري، وكذلك تدل على تغلغل الثورة إلى عمق المدينة ، وإبطال دعاية سيطرة الإستعمار على الأمور في الداخل والخارج، وكذلك لخلق طرف ثالث من المعمرين قادر على الضغط على مسؤوليه لتوقيف القتال ضد الجزائريين . بعد هذه العمليات، والضربات المتكررة من الثورة الجزائرية ، قامت السلطات الإستعمارية بحصار مدينة سطيف في اوت 1958م، وقد دام 8 أيام ، إستطاعت بتفكيك هذه الخلية ، وإعدام جميع عناصرها يوم 24 أوت 1958م .
البقية في الحلقة الثانية على الرابط :
ـــ الدكتور : خليل كمال- قسم التاريخ والآثار - جامعة محمد لمين دباغين - سطيف 2
-
مآثر الثورة
التحريرية الكبرى في منطقة سطيف
منشورات جمعية
النبراس الثقافي لبلدية سطيف 2022