لا شك أن اجتماع مجموعة 22 التاريخية يوم 24
جوان 1954 في بيت المجاهد إلياس دريش ، هو منعرجا تاريخيا حاسما في
مسار التحضير للثورة التحريرية الكبرى.
و لا شك أن الكثير من الاحداث كانت قد عرفتها
الجزائر قبل الوصول الى هذا الحدث الهام الذي كان نتاج عزيمة و إرادة قوية لمجموعة
من المناضلين أمنوا بأن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لطرد العدو ، و هذا رغم
صعوبة المرحلة و التضييق الفرنسي و الانقسامات و الشكوك التي طبعت النشاط السياسي
في تلك الفترة .
المناظل صالح معيزة ، تاريخ نظالي كبير يحتاج إلى توثيق .
لن أغوص في هذا الموضوع كثيرا ، فالعديد من الباحثين و المؤرخين كتبوا و استفاضوا في هذا الامر، لكني أريد أن أفتح مجال للنقاش و البحث حول علاقة اجتماع مجموعة 22 التاريخية يوم 24 جوان 1954 و تأخر انطلاق الثورة بمنطقة سطيف .
الكل يعرف أن منطقة
سطيف بجغرافيتها القديمة ، كان فيها النضال في الحركة الوطنية منظم منذ الاجتماع الشهير الذي تم بسطيف في شهر أفريل
عام 1943م، و حضره كل من مصالي الحاج عن حزب الشعب و البشير البشير
الإبراهيمي عن جمعية العلماء المسلمين و المناضل
الكبير الصيدلي فرحات عباس و كذا موريس لابور عن الحزب الشيوعي الجزائري ، و منذ
ذلك التاريخ و المنطقة تشارك بقوة في المشهد السياسي الجزائري و كان لها دور فعال
في بلورة الفكر الوطني و تشكيل عناصر من النواة الأولى للمناضلين الذين آمنوا
بفكرة الجهاد ضد المحتل ، فمنطقة سطيف كانت حاضنة للرئيس الراحل محمد بوضياف و
الشهيد العربي بن مهيدي و غيرهما ، و كان
المناضل الكبير "صالح معيزة" همزة وصل بين جميع المناضلين فهو منسق حزب
الشعب بالمنطقة و الباحث عن التوازن بين جميع الفرقاء و الملاذ الآمن للجميع ، خاصة
بعد تشتت عناصر حزب حركة
انتصار الحريات الديموقراطية
و الأزمة الشهيرة بين
المركزيين و المصاليين ، كما يعتبر صالح معيزة الممون الرئيس لأي عمل نضالي في الجهة و كل المناضلين الكبار مروا على مزرعته الكائنة
بمشتة أولاد علي بن ناصر ببلدية بني فودة .
المناظل محمد النذير معيزة ، حضوره مجموعة الـــ 22 كان سيغير الكثير من الأحداث.
من جهة أخرى كان المناضل
الاخر محمد النذير معيزة مسؤول الناحية في المنظمة الخاصة "المخ l'os"
و هو من الأوائل في هذه المنضمة التي هي المدبر
و المنفذ لثورة الفاتح من نوفمبر 1954 .
إذن لماذا لم تٌمثل
سطيف في مجموعة 22 المفجرة للثورة ؟ و لماذا تأخرت بعدها هيكلة الثورة بمنطقة سطيف ،
و لم تنطلق بصفة منظمة و مهيكلة إلا في
أواخر سنة 1955 و بداية عام 1956؟ .
هذا السؤال كنا قد
طرحناه على بعض مجاهدي ثورة التحرير ، منهم من أنتقل الى دار الحق و منهم من لا
يزال على قيد الحياة (ربي يطول في أعمارهم).
لهذه الأسباب تأخر انطلاق الثورة بسطيف
كانت الإجابة متقاربة
رغم اختلافها او عدم تطابقها في بعض الأحيان ، لكن يمكن أن نستخرج منها ما كنا
نبحث عنه في هذا الموضوع ؟
من خلال جمعنا لبعض الشهادات مع المجاهدين ، و كذا البحث في بعض
الكتب التاريخية نستطيع القول أن السبب الرئيسي و المباشر لعدم مشاركة منطقة سطيف
في اجتماع مجموعة 22 هو عدم وصول الاستدعاء الخاص بالاجتماع لمسؤول الناحية "
محمد النذير معيزة " ، هذا الأخير كان قد حضر الاجتماع الأول مع محمد بوضياف و إبراهيم شرقي ، و هو الاجتماع
الذي أبلغ فيه محمد بوضياف محمد النذير
معيزة بالاستعداد و انتظار الأوامر لاجتماع حاسم بالجزائر العاصمة في القريب
العاجل ، و بقى محمد النذير ينتظر الأوامر في هذا الشأن .
بعدها بعث محمد
بوضياف برسالة "تليغرام" إلى محمد النذير معيزة ، مضمون التليغرام دعوة المعني الى التوجه الى
الجزائر العاصمة و هناك سيتم إبلاغه بالمستجدات ، التليغرام كان مختصرا ، دون
تفاصيل حفاضا على السرية ،خاصة و أن المرحلة كانت جد حساسة ، و كانت فيها
المداهمات
والاعتقالات تطال المناضلين ، و كان واجبا الحفاظ على سرية التنظيم و الاحتياط الى
أقصى الحدود .
و فعلا وصل التليغرام
لكنه لم يصل إلى يد "محمد النذير معيزة" بل وصل الى المناضل الاخر
" صالح معيزة" بحكم أنه معروف هو الاخر كمناضل في الحركة الوطنية و
البريد كان يوجه هناك ، و الرسول الذي ارسله بوضياف مع التليغرام أعتقد انه أتم
مهمته بعد أن أوصل التلغرام الى " صالح معيزة" ، و هنا يبقى السؤول مطروح ، هل هذا الرسول أخطأ في العنوان؟ ، و سلم التليغرام
الى صالح معيزة بدل محمد النذير معيزة ؟، أو كان على علم ضانا منه أن الرسالة في
أيادي آمنة؟ .
صالح معيزة أستلم
الرسالة لكنه لم يسلمها لصاحبها ، و هذا ربما يرجع الى الحساسية السياسية بينه و بين ابن عمومته محمد النذير و ربما تساءل
حينها صالح معيزة لماذا لم توجه الرسالة
له لكونه الاحق بتمثيل الجهة او على الأقل
الاشراف على تمثيلها؟ ، أو ربما أن صالح معيزة لم يكن يعي أهمية هذا التليغرام فأحتفظ
به و لم يظهره الا في السنوات الأخيرة من وفاته في منتصف الثمانينات بعد
الاستقلال.
إذن التليغرام لم يصل
الى محمد النذير معيزة ممثل الناحية ، رغم
ان المرحوم محمد بوضياف كلف من جهة أخرى المناضل
محمد مشاطي بالاتصال بمحمد النذير معيزة لإبلاغه
ببعض تفاصيل الاجتماع و ضرورة التوجه الى العاصمة أين يتم هناك الالتقاء ببعض
المناضلين و من هناك سيتم اعلامه بمكان و
تاريخ الاجتماع الحاسم، لكن محمد مشاطي هو الاخر لم يصل إلى محمد النذير لأسباب تبقى
مجهولة.
ليتأخر هيكلة الثورة بناحية سطيف إلى غاية نهاية
سنة 1955 ، و هذا بعد خروج المناضل الشهيد السعيد بوخريصة الذي كان في سجن الكدية
بقسنطينة رفقة مصطفى بن بولعيد ، الذي ربط له اتصال و هو في السجن مع بعض
المجاهدين الرفقاء ناحية نقاوس ليتم الاتصال بهم بعد خروجه و تنسيق العمليات
الثورية معهم ، كما انطلقت الهيكلة أيضا لمنطقة سطيف من الناحية الغربية بواسطة القائد
عميروش أيت حمودة الذي بدأ في تنظيم
العمليات الثورية و تنسيق العمل الثوري بالجهة الغربية للناحية رفقة رفيق دربه و
شريكه في التجارة الشهيد البطل "بلقاسم
السماتي" و الشهيد الشيخ العيفة رحمهم الله جميعا .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عاشور جلابي / صوت سطيف
المصادر :
- كتاب جذور أول
نوفمبر لرئيس أول حكومة مؤقتة الراحل بن يوسف بن خدة
- مذكرات الرئيس
الراحل محمد بوضياف
- لقاء مع المجاهد اليامين
جمعاوي " عضو لجنة المدينة بسطيف"
- تسجيل نادر للمناضل
الراحل موسى زغوان
- لقاء مع المجاهد
المرحوم موسى كسالي
- مذكرات المجاهد
المرحوم إبراهيم شرقي