أعراس الشيطان شرك يسطو على تقاليد الجزائريين.
معروف عن الزردة أو الوعدة كما يسميها البعض، أنها من التقاليد المشهورة في أوساط الجزائريين، خاصة في المناطق الريفية، حيث لا تزال مظاهر الجهل تسطو على حياة أغلب السكان هناك، من خلال الطقوس الشركية التي يمارسونها في عديد المناسبات، على غرار الزردة، التي يتم فيها ذبح الذبائح، و إعداد مختلف الأطعمة، بغرض التقرب إلى الولي الصالح الذي سيكون الوسيط بينهم وبين الله تعالى، في تحقيق أمانيهم ورغباتهم الدنيوية. و رغم أن الولي الصالح، ما هو إلا بشر عادي، عرف عنه استقامته وإلمامه بالدين، و به سمات العبد المقرب إلى الله تعالى، إلا أن الكثيرين يعتقدون أنه في مقام الأنبياء و أكثر، و أنه الشافي من الأسقام، و المانح للسعادة والنجاح، والواهب للزرع والخيرات، بمجرد أن يدعو الله لهم من قبره. الطريف في الأمر، أن النساء، و كالعادة، هن أكثر المقبلين و المصدقين لمختلف الخرافات، التي لا تزال عالقة في أذهانهن رغم كل شيء، متيقنين بأن الولي الصالح حي بطريقة ما داخل القبر، و يستطيع أن يستمع لطلباتهم، ويحققها لهم، لا سيما إن أعجبته الهدية التي تقدم لحضرته، والتي تتنوع بين مأكولات و مشروبات و أشياء أغرب. عند زيارتنا لأحد الزوايا في أرياف ولاية سطيف، وهي زاوية الشيخ مسعود، الذي ينحدر من عائلة معروفة بالمنطقة، و بمجرد اقترابنا من الخلوة، وهو المكان الذي يوجد به قبر الولي الصالح، استقبلتنا روائح العنبر و المسك، حيث أخبرنا حارس المقبرة، بأن زوار القبر، يداومون على القدوم والتبرك منه، بغرض طلب الإنجاب، أو الزواج، أو النجاح في الحياة، أو حتى لإكثار المحصول الزراعي وإسقاط المطر. و بمجرد الدخول إلى الزاوية أو كما يسميها أهل المنطقة الخلوة، يقابلك تابوت رخامي مشيد فوق قبر الشيخ، مغطى بغطاء أخضر قاتم، و في كل زاوية من البناء، توجد شمعة تتربع على بقايا العشرات من الشموع القديمة، وآثار للأيادي على الجدران، وعند استفسارنا عنها ذكر محدثنا بأن الزوار يقومون في كل مرة بإشعال الشموع الأربعة، وخلط مقدار من الحناء مع السكر والطيب، ووصمه على الجدران، وتغيير إزار الولي الصالح حتى ينالوا رضاه، طالبين منه أن يتوسط لهم عند الله تعالى حتى تتحقق أمانيهم المختلفة، و تأتي النسوة اللائي تزرن الضريح محملات بأنواع الهدايا والمأكولات وحتى النقود، وعن الشعبية الكبيرة للمكان، يقول محدثنا بأن الناس يضعون ثقتهم التامة في الشيخ مسعود، خاصة وأنه أشهر من نار على علم بمنطقة سطيف وضواحيها، فهو حقق أماني كل من قصده طالبا للزواج أو الإنجاب أو غير ذلك. و تحل الكارثة، إذا تصادفت زيارتهم للضريح مع تحقق أمانيهم، إذ يقومون بإعداد ما يسمونه بالوعدة، وهو احتفال مفتوح لشكر الولي الصالح، يحضره جميع سكان المنطقة، وحتى المتسولون و عابروا السبيل ليشهدوا على الخير الذي عم بفضله، و يتم الإعداد له شهورا قبل موعده، حيث يقوم أصحاب الزردة بإعلان نيتهم في تقديم هبات للولي الصالح، و يقومون بالتجول بين بيوت الأقارب و الجيران لجمع أكبر قدر من المأكولات، و عند اقتراب موعد الإحتفال يقوم المنادي بإشهار التاريخ المحدد لذلك، و بمجرد حلوله يتم ذبح المواشي والدواجن، و إعداد كميات هائلة من الكسكسي و الشخشوخة، كما تتم استضافة فرق تقوم بالتسبيح والتهليل و إلقاء المدائح الدينية، كإشارة على الفرح الكبير للخيرات التي عمت بسبب الولي الصالح، و تدوم هذه الإحتفالات أياما بلياليها، وقد تصل إلى أسبوع كامل، وفي هذا الصدد تحدثنا السيدة جهيدة، وهي من حفيدات الشيخ مسعود، حيث تروي لنا تفاصيل الزردات التي تقام إكراما لجدها صاحب البرهان، فقد كان يمتلك من القدرات الخارقة ما يجعل الناس مذهولين لأمره، كأن يقوم علنا بالمشي حافيا على الجمر المشتعل، أو إدخال ذراعه في وعاء من الماء المغلي دون أن يحدث له أي ضرر، و حتى أن بعضا من أولاده ورثوا عنه ذلك إضافة إلى قدرتهم على شفاء المريض المستعصي والمسحور، وطرد الجني وإبراء المجنون، كبرهان للناس على الهبة التي حباهم الله بها، وبعد وفاته تحول قبره إلى مزار للناس الذين نسي الكثيرون منهم أن الشفاء والتوفيق والنجاح من عند الله ولا وسيط بين العبد وربه مهما كبر قدره وعلا شأنه وتنوعت براهينه، ليبقى جهل هؤلاء يلاحقهم على مر السنين، رغم ما ثبت من حرمة هذا التصرف البعيد كل البعد عن الدين الاسلامي الذي لم يجعل وساطة بين الله وعبده، وتستمر مظاهر الجهل والشرك تظهر في الكثير من العادات والتقاليد الجزائرية، لتتصدرها أعراس الشيطان التي لا تزال تقام علانية في كل مكان و كل زمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ شيماء بوقري / صوت سطيف.