لهذه الاسباب لن ينخفض سعر البطاطا.
رفع مسؤولون بالمركز الوطني لبذور البطاطا تقريرا مفصلا حول التجاوزات التي تقع فيه، إلى وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، التي تسببت في تسجيل ارتفاع قياسي في استيراد بذور البطاطا، فقد تم تفريغ كمية مستوردة تفوق 58 ألف طن بميناء مستغانم منذ بداية السنة، خصصت للموسم الفلاحي الجاري، إضافة إلى 100 ألف طن أخرى ينتظر استلامها لتتجاوز نسبة الارتفاع مقارنة بالسنة الماضية الـ20 في المائة. أعادت عمليات الاستيراد الضخمة لبذور البطاطا الحديث عن المشاريع التي أطلقتها وزارة الفلاحة في العديد من المرات، خاصة تلك المتعلقة باستثمارات بالملايير من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في بذور البطاطا.
غير أن الواقع المرّ الذي تعيشه هذه المراكز، كشف بما لا يدع مجالا للشك، عن وجود مافيا و«لوبي” حقيقيين لا يريدان لهذه المخابر المخصصة لإنتاج بذور البطاطا أن تسير وفق الأهداف المسطرة، وهذا من أجل ترك باب الاستيراد والاحتكار مفتوحا على مصراعيه، حتى صارت الجزائر أكبر مستورد مغاربي وإفريقي لبذور البطاطا! ومن أجل فتح هذا الملف، ركزت “الخبر” على كشف الكثير من التجاوزات الحاصلة بأول مخبر وطني لإنتاج بذور البطاطا الواقع ببلدية قلال جنوب ولاية سطيف، والمعروف بشركة “ساكروديف”، وركزنا على تقرير رفعه مسؤولون بالمركز ذاته إلى الوزارة الوصية يحتوي على تفاصيل التجاوزات التي وقعت به، إذ يعيش المركز حالة من الفوضى والتسيب والإهمال، زيادة على الكثير من الفضائح التي تورّط فيها مسؤولون أشرفوا على المركز منذ إنشائه سنة 1994 من قبل الكنديين في إطار الشراكة وتبادل العلاقات التجارية بين البلدين، حيث وئد المشروع في مهده وتبخّرت معه أكبر تجربة جزائرية لتطوير وتفعيل عمليات البحث العلمي في الميدان الفلاحي بهدف التوصل لإنتاج بذور قاعدية وما بعد قاعدية، والأصناف التي تليها g0,g1,g2, g3 ثم SE و E، A، B هذه الأخيرة B هي التي يتم استيرادها وبأثمان باهظة من طرف “بارونات” الاستيراد بضريبة سنوية تقدر بـ60 مليون أورو، وبقيمة 15 دينارا لحبة البطاطا الواحدة. فيما كان من بين الأهداف الأولية لهذا المشروع، إنتاج ما يقارب 200 ألف طن من بذور البطاطا لتغطية الاحتياجات الوطنية.
خسائر تجاوزت 32 مليارا واختلاسات في العتاد وكميات الإنتاج
وحسب التقرير نفسه الذي تحوز “الخبر” على نسخة منه، فإن خسائر المؤسسة وصلت إلى 32 مليار سنتيم، وهو العجز الذي أدخل المؤسسة في دوامة كبيرة جعلها لا تتمكن حتى من دفع أجور عمالها، زيادة على تلاعب كبير في أرصدة المؤسسة وعتادها الفلاحي الذي تقادم وصار لا يلبي احتياجات المؤسسة بسبب الإهمال ونقص الصيانة. أما الكارثة الكبيرة، فهي توثيق لعمليات تهديم مبرمج للمؤسسة، حيث تركت المئات من الأطنان من بذور البطاطا تحت الأرض دون جنيها وبيعها للمتعاملين الاقتصاديين، ما جعلها تفسد وتتعفن. والمعروف أن جني البذور يكون في شهري نوفمبر وديسمبر، قبل وضعها في المخازن لتفادي موجة الصقيع التي تعرف بها المنطقة في بداية السنة، بل ووصل الأمر إلى غياب إصدار أوامر بترك هذه المحاصيل المزروعة على مساحة 500 هكتار تحت الأرض وإعادة حرثها، فيما يتم جني كمية قليلة من أجل التغطية على ذلك. وكانت مصالح الدرك الوطني عبر فرقة البحث والتحري قد فتحت تحقيقا في هذا الأمر، ووصلت كل هذه المهازل إلى علم الوزارة ووالي ولاية سطيف آنذاك. من جهة أخرى، أكد عدد من عمال المؤسسة أن البذور التي تم جنيها وضعت في المخازن لمدة طويلة جعلها تفسد، حيث تكبر النبتة المعروفة بالرشيم لتصل أمتارا عديدة، وهو دليل على عدم صلاحيتها.
فيما تشير الوثائق نفسها إلى انعدام تام للملفات المحاسبتية، في ظل انعدام كامل للإجراءات والنصوص التنظيمية لعمليات البيع والشراء، زيادة على عدم وجود لجان لمراقبة الصفقات التي تعتبر غير قانونية، إذ تشير الكثير من عمليات الجرد إلى سرقات منظمة في التبن وقطع غيار العتاد الفلاحي، ما أثر على ميزانية المؤسسة التي لم تعد قادرة على دفع أجور عمالها المقدر عددهم بـ44 عاملا، زيادة على أن مصالح الضرائب وبعد العجز عن تسديد بعض المستحقات، قامت بالحجز على شاحنتين مختصتين في التوزيع. كما تشهد البيوت البلاستيكية وضعية كارثية، مع استحداث مناصب إدارية غير لازمة تماما مثل مدير عام مساعد ومسؤول الأمن، فيما تأكد كل التقارير أن كل أعمال المؤسسة يقوم بها 8 عمال فقط، أما الباقي فإما غائبون أو مشغولون بأشياء أخرى.
إدارة المركز: “تلقينا أوامر بعدم التصريح”! .
وحاولت “الخبر” الاتصال بالمديرة الحالية للمركز، السيدة نصيرة طرابلسي، التي رفضت الحديث عن الموضوع، وأرجعت الأمر إلى تلقيها أوامر بعدم التصريح بأي شيء إلا بإذن من الجهات الوصية. واتصلت “الخبر” أيضا بمدير الفلاحة لولاية سطيف، علي زرارقة، الذي صرح بأن المخبر تابع لشركة مساهمات الدولة هولدينغ، ولديه مجلس إدارة مستقل. غير أن الوضعية التي آلت إليها الأمور، خاصة في سنوات الأزمة الأمنية، جعلت تسيير المخبر أمرا صعبا للغاية، خاصة وأن عمليات البحث العلمي في المخبر لإنتاج بذور نوعية تكلف أموالا كبيرة. وقال مدير الفلاحة إنه يشعر دائما بالمسؤولية تجاه كل ما له علاقة بالفلاحة، لذا قام بمبادرة لوضع مخطط استعجالي لمناقشة الوضع، وتم قبولها من طرف الوزارة، فقد تم منح مبلغ 10 مليار سنتيم من أجل جلب عتاد جديد وحفر بئر ارتوازية -
عبد الرزاق ضيفي.