جزائري الهوية، كندي الهوى. البلد الأول أنجبه، فيما الثاني تلقَّفه ورعاه. بين ولاية سطيف بالجزائر حيث ولد وترعرع حتى بدايات شبابه، وبين كندا التي يستوطنها منذ ثلاثة عقود ونصف العقد، محطتان فاصلتان مرّ بهما: فرنسا واليابان. في فرنسا، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الكيمياء الكهربائية من جامعة "بوليتكنيك " في مدينة غرونوبل عامي 1987 و2001، بعدها نال شهادة التَّأهل في الفيزياء وحصل على درجة الأستاذية من جامعة "سوربون". في اليابان، تابع مسيرته البحثية في "معهد أوساكا القومي للأبحاث" لمدة ثلاث سنوات، وعمل باحثاً زائراً مع وزارة الاقتصاد الدولي والصناعة من عام 1993 حتى 1995. هناك اكتسب معرفة وخبرة في تصنيع وتكوين المواد المستخدمة في بطاريات "ليثيوم أيون".
باختصار، في سجل الدكتور زغيب 550 براءة اختراع، و60 ترخيصاً، و420 مقالة علمية، و22 دراسة، إما ألّفها منفرداً أو شارك بها. هو باحث علمي متخصص في مجال الطاقة وتخزينها، خطَّ شهرته العلمية والعالمية بجدارة. كذلك، هو أستاذ محاضر في جامعة "ميغيل" الأيقونة الأكاديمية الكندية والعالمية.
شاقٌ سرد كامل سيرة هذا الرجل بجميع تفاصيلها وتسلسلها الزمني. ربما الأيسر التوقف عند آخر إنجازاته العلمية بدءاً من يونيو/ حزيران الماضي، حين عينته حكومة مقاطعة كيبيبك مستشاراً استراتيجياً في مؤسسة "كيبيك أنفيستيسمون" ضمن مساعيها الجديدة لجلب الاستثمارات إلى تلك المقاطعة، لا سيما الاستثمار في صناعة البطاريات الصلبة للسيارات الكهربائية.
تمتلك مقاطعة كيبيك خامات وموارد طبيعية هائلة تحتاجها أيّ صناعة في العالم، ومنها صناعة بطاريات السيارات الكهربائية بحسب التكنولوجيا التي اخترعها كريم زغيب، لا سيما مادة الليثيوم. تلك واحدة من بين أسباب كثيرة تجعل الاستعانة بالباحث الجزائري ورقة رابحة لكندا، خصوصاً أنّ سوق السيارات الكهربائية ينمو بسرعة في جميع أنحاء العالم، وقد يصل إلى 200 مليار دولار أميركي في عام 2025.
طموح كندا بأن تصبح أحد اللاعبين المهمين وراء الصين وكوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية أمر يراه الدكتور كريم زغيب محقاً ومشروعاً وسهلاً، بالاستناد إلى خبرة كندا القوية في مجال تخزين الطاقة. هو متفائل بإنشاء أول مصنع كندي لإنتاج البطاريات الكهربائية بحلول عام 2025 على أبعد تقدير. تفاؤله يستند إلى معطيات علمية، لا إلى توقعات وأوهام، فكندا تمتلك الموارد الطبيعية وكذلك الخبرات وبراءات الاختراع والقوى البشرية البحثية والأدمغة مثل الدكتور كريم زغيب وكثيرين من المهاجرين غيره، ولا ينقص البلاد إلاّ القرار والرؤية الاقتصادية. وصحيح أنّ مقاطعة كيبيك غنية بالموارد، إنّما يُعابُ عليها أنّها تفضّل اللقمة السهلة، لذلك، نراها تكتفي باستخراج مواردها الطبيعية وتصديرها كمواد خام إلى بقية المقاطعات وإلى دول الجوار، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية.
الآن، يبدو أنّ الحكومة اقتنعت بأنّ الوقت حان لإغراء الشركات الأجنبية كي تأتي للاستثمار بما هو جديد وفريد في العالم. هنا تكمن أهمية الدكتور كريم زغيب الذي استشرف المستقبل منذ عقود، وتوقّع التغيير الذي بدأنا نشهد عليه اليوم، وهو التحوّل نحو السيارات الصديقة للبيئة التي تسير على طاقة الكهرباء. ما اخترعه هذا الجزائري - الكندي سيعطي السيارات مزيداً من الاستقلالية بكلفة مالية أقل، وسيخوّلها قطع مسافة 800 كلم متواصلة، في حين أنَّ كلّ البطاريات الحالية تخوّل السيارات قطع نصف المسافة، إلى جانب ميزة تخزين الكهرباء، التي يمكن استخدام الفائض منها في إنارة المنازل.
كان وزير الاقتصاد والإبداعات، في مقاطعة كيبيك، بيار فيتزغيبون، قد أعلن للصحافيين: "حكومة مقاطعة كيبيك مستعدة لاستثمار ما يصل إلى 1.4 مليار دولار كندي (مليار و65 مليون دولار أميركي)، لبناء صناعة بطاريات الليثيوم. مرة وإلى الأبد، سوف نأخذ مواردنا الطبيعية ونحولها إلى منتج ذي قيمة مضافة". في غضون 10 سنوات، تخطط كيببك لاستثمارات يمكن أن تصل إلى 7 مليارات دولار كندي (5 مليارات و330 مليون دولار أميركي) في تطوير وصناعة بطاريات السيارات، وهي ستستفيد من قربها الجغرافي من مصانع السيارات في أونتاريو- المقاطعة الاقتصادية والإدارية لكندا- وولاية ميشيغن الأميركية.
بالتوازي، يترأس كريم زغيب منذ عام 2017، مركز التميز في مؤسسة الكهرباء الوطنية في المقاطعة "هيدرو كيبيك" وهو الآن مشرف على أكثر من مائة باحث من ست عشرة جنسية.
استحقه في أكبر مؤسسة لإنتاج الكهرباء بواسطة المياه في العالم. الجوائز والتكريمات والأوسمة التي حصدها حتى اليوم لا تُعدُّ، منها ظهوره في قائمة "كلاريفيت أناليتكس (تومسون رويترز سابقاً)" لأهم العقول العلمية المؤثرة في العالم، ثلاث سنوات متتالية (2015 و2016 و2017). ينال هذا التميز العلماء ممن لهم تأثير عالمي استثنائي في مجالات أبحاثهم. لكنَّ الجائزة الأعز على قلب صاحبها والأكثر تقديراً هي جائزة" ليونيل بوليه" التي تسلّمها كريم زغيب عام 2019 في البرلمان وهو أعلى تقدير في مجال البحث والتطوير الصناعي تمنحه حكومة كيبيك، تقديراً لجهوده في اختراع بطارية "ليثيوم أيون".
حاليّاً، يمضي الدكتور كريم زغيب نصف وقته في التدريس في جامعة "ميغيل"، والنصف الثاني في مشاريع بحثية عدة لا سيما تطوير الجيل التالي من البطاريات الصلبة، كما يساعد الأساتذة والطلاب على تطوير براءات الاختراع. ولا يمكن عبور الحياة العلمية والاكاديمية لهذا الباحث العربي من دون التنويه بمزاياه الإنسانية ومنها التواضع وبساطة الحياة التي تعلّمها من الغرب، والتي يفتقر إليها كثير من الباحثين في العالم العربي.
ـــــــــــــــــــــ عن العربي الجديد .