حالة الطقس
يوم الخميس
28 مارس 2024
الساعة: 23:06:17
تدابير عقابية ضد 6 قنوات تلفزيونيةمشروع 60 مسكن LPA ببوقاعة :04 سنوات من التأخرعن موعد الاستلام والحل ليس غداوزارة العدل: منصة رقمية للاتصال بالمحبوسين إلكترونياأبرز الملفات التي درستها الحكومة في اجتماعها اليومأمن دائرة العلمة :الإطاحة ب 03 نصابين
الثامن ماي 1945 الجرائم المسكوت عنها في بني عزيز وعين السبت
قضايا و تحقيقات

مقدمة

لعل من أهم أحداث الثامن ماي 1945، التي لم تكن محل عناية من طرف المؤرخين لحد اليوم، هي تلك التي وقعت في بلدة بني عزيز وعين السبت التي كانت تعرف في ذلك الوقت ب "شوفرول".

بني عزيز، بلدة صغيرة (20 ألف ساكن)، تقع على سفح جبل سيدي ميمون على ارتفاع 1.646 متر و تبعد بخمسين كيلومتر عن مدينة سطيف. أنشئت سنة 1898 وأطلق عليها إسم Chevreul نسبة للباحث الكيمياوي الفرنسي Eugène Chevreul وعرفت، بعد استعادة السيادة الوطنية باسم عرباون وذلك حتى سنة 1984 حيث أخذت إسمها الحالي.


عدد سكان الدائرة حاليا هو 45 الف ساكن.و بمحاداتها بلدة عين السبت 15000 ساكن

منذ أربعين سنة، وبالضبط في شهر أفريل 1985، التقينا، في إطار القيام بتحقيق صحفي حول أحداث 8 ماي 1945، بمجموعة من الشهود والمعنيين بالأحداث التي وقعت في هذه المنطقة وهم السادة:

رياش المكي: 80 سنة (سنة 1985)؛

رياش مصطفى: 76 سنة(سنة 1985)؛

قريدي مسعود: 62 سنة (سنة 1985)؛

طوبال محمد: 63 سنة (سنة 1985)؛

شلغوم الطاهر:62 سنة (سنة 1985)؛

قريدي محمد: 60 سنة (سنة 1985)؛

بوذراع الغربي: 60 سنة (سنة 1985)؛

حميدش لخضر، 60 سنة (سنة 1985).

اللقاء تم بدار بمقر بلدية بني عزيز وقد انتقل البعض منهم إلى مثواه الأخير بينما لا زال البعض الآخر على قيد الحياة، أطال الله في أعمارهم.

من تصريحات هؤلاء الشهود تمكنا من إعادة "تشكيل" مسلسل الأحداث المتتالية التي وقعت بدءا من مساء 8 ماي 1945

.

الثأر لأهل سطيف

في الساعة الثانية من مساء يوم 8 ماي 1945، عاد بعض الذين نجوا من القتل من أهالي بني عززيز و عين السبت الذين شاركوا في مسيرة سطيف صبيحة نفس اليوم، الى بلدتهم، فأعلنوا في الناس إن إخوانهم في سطيف يتعرضون، إثر قيامهم بمسيرة سلمية، إلى القتل بكل وحشية على يد الشرطة والجندرمة (الدرك الفرنسي) والكولون الفرنسيين.

انتشر خبر الاعتداء على المواطنين المسالمين في سطيف بسرعة عبر كل المشاتي والدواوير ، كما انتشرت فكرة المناداة للجهاد.

في مساء نفس اليوم، تجمع المئات من المواطنين الجزائريين من سكان بني عزيز و عين السبت والقرى القريبة منها وقرروا مهاجمة الكولون، غير أن هؤلاء تنبهوا إلى ذلك ففر معظمهم إلى ثكنة الجندرمة التي أصبحت نقطة تمركز لهؤلاء الأخيرين والكولون، أما من تبقى من المعمرين خارج الثكنة، وعددهم ستة فقد هاجمهم أهالي المنطقة وأجهزوا عليهم ثأرا لإخوانهم الذين قتلوا بكل وحشية في سطيف.

في كتاب صدر له مؤخرا (أفريل 2006) بدار النشر (بران) Perrin بعنوان: سطيف 1945. تاريخ مجزرة معلنة Sétif 1945. Histoire d’un massacre annoncé. يقول (جان لويس بلانش) في الصفحة 159، بأن هجوم بني عزيز( شوفرول) نفذ "ظهيرة 8 ماي من طرف حوالي ألف فرد، بقيادة مساعد أول متقاعد... كانوا يحملون بنادق صيد وبعض البنادق الحربية ورشاشان أو ثلاثة". بلانش أعتمد في إنجاز كتابه هذا، كما جاء في مقدمته، على وثائق من الأرشيف الفرنسي بينما الحقيقة، حسب ما أدلى لنا بها الشهود، هو أن أبناء بني عزيز لم يكونوا يحملون من الأسلحة سوى بعض بنادق الصيد القديمة والعصي والأسلحة البيضاء.


بني عزيز.. المحررة

في صبيحة يوم 9 ماي 1945، أنضم سكان مشاتي "سرج الغول" و"عرباون" و"معاوية".. إلى سكان بني عزيز الذين كانوا قد حرروا البلدة تماما، وأشعلوا النار في مساكن المعمرين ومحلاتهم وحاصروا ثكنة الجندرمة، وقطعوا عليها الماء والكهرباء والهاتف، وحاولوا تفجيرها فلم يتمكنوا، ثم حاولوا حرقها بمن فيها ففشلوا لأن رجال الجندرمة كانوا يطلقون الرصاص من النوافذ والفتحات على الجزائريين كلما حاولوا الاقتراب منهم.

من المؤكد أنه لو كانت بحوزة الجزائريين أسلحة رشاشة، كما يدعي بلانش، لتمكنوا من اكتساح الثكنة. بلانش، يضيف حول هذه النقطة قائلا بأن الجزائريين احتلوا الطابق السفلي من الثكنة ولم يستطيعوا الوصول إلى الطابق العلوي. لا ندري من أين جاء السيد بلانش بهذه المعلومات، فقد أكد لنا شهود وصناع هذا الحدث ببني عزيز، سنة 1985، بأنهم لم يتمكنوا أبدا من الاقتراب من الثكنة، لأنه لو كان في مقدورهم احتلال الطابق الأرضي لأحرقوها أو دمروها. أحد الشهود أكد لنا أنه لو كانت بحوزتهم أسلحة نارية ومتفجرات لاقتحموها و لكانوا قضوا على رجال الجندرمة والمعمرين نهائيا.

في يوم 10 ماي، كان نبأ تحرير بني عزيز قد انتشر في كل أنحاء المنطقة، وهرع حتى سكان الجهات النائية إلى البلدة التي أصبحت محررة إلا من ثكنة الجندرمة.

الانتقام الفرنسي .. رهيب وفضيع

في يوم 11 ماي، وصلت وحدات من الجيش الفرنسي بقيادة العقيد بورديا، ، إلى مشارف بني عزيز، فنصبت المدفعية وراحت تدك القرى والمشاتي المحيطة (الريايشة، أولاد يعقوب، أولاد الحاج…)، ولما دخلت هذه الوحدات المشكلة من اللفيف الأجنبي والمشاة السينيغاليين والطابور المغربي البلدة عمدت إلى حرق كل مساكن ومحلات "الأهالي" الذين فروا إلى أعالي جبال بابور وجبال الحلفه. الجيش الفرنسي، أثناء تقدمه وانتشاره، كان يحرق كل دار أو قرية يمر بها، ويقتلع كل شجرة يصادفها، ويقتل كل جزائري يجده في طريقه، حتى لو كان هذا الجزائري شيخا هرما تجاوز المائة أو طفلا رضيعا. الشهود الذين تحدثنا إليهم، ذكروا لنا أحداثا لا يصدق العقل أن جيش دولة "متحضرة" يرتكبها. من ذلك أن طفلا عمره أربع سنوات، هو ابن جزائري اسمه (بوسطيلة علي) قتله أحد الفرنسيين بمسدس، وأن رضيعا من عائلة "بوذراع" عمره ستة أشهر قتله جندي فرنسي بعد أن أجهز على أمه.

الشهود تحدثوا أيضا عن العشرات من إخوانهم وأقاربهم الذين ألقى بهم الفرنسيون في "المطامير" قبل أن يحرقوهم وهم أحياء.

الشهود قالوا أن ما ذكروه ليس كل شيء وأن الجيش الفرنسي مارس في هذه المنطقة جرائم و فضائع لم تعرف الإنسانية مثيلا لها. ويؤكدون بأن عدد القتلى كان في هذه الجهة بالآلاف وأن ألاف الجثث ردمت في "المطامير" والمقابر الجماعية.


"أمان".. صلاة نحو الغرب، واعتداء على الشرف

أستمر هروب السكان "الأهالي" ولجوؤهم إلى الجبال مدة 56 يوما، أكلوا خلالها كل ما كانوا يصادفونه حتى الحشائش.

بعد هذه المدة، أتصل "قياد" المنطقة ومساعدوهم بالجزائريين الفارين طالبين منهم التسليم لفرنسا لأنها أعطتهم "الأمان"، أي وعدتهم بالعفو العام. صدق بعض السكان ذلك ونزلوا بنسائهم وأبنائهم من المرتفعات والجبال إلى بلدة بني عزيز، فجمعوا في ساحة كبيرة (بنيت فيها، خلال مرحلة الثورة الزراعية، قرية فلاحية). وضع الرجال في جهة من الساحة، والنساء في الجهة المقابلة، وبينهما نصبت الأسلحة الرشاشة التي وجهت ناحية الرجال الذين طلب منهم أن يصلوا نحو الغرب ثم طلب منهم أن يصرخوا قائلين: (نحن كلاب، نحن خنازير.. حلاليف )، بعد ذلك بدأ الجنود الفرنسيون يمارسون بشاعتهم على النساء الجزائريات أمام أزواجهن وأقاربهن، وكانت الأسلحة الرشاشة تحصد كل من يتحرك دفاعا عن شرفه.

جريمة ضد الإنسانية

بعد هذه الجرائم، وأخرى تأفف الشهود من ذكرها، اختير حوالي ثلاث مائة (300) رجل، سيقوا نحو ساحة صغيرة مسيجة بالقرب من ثكنة الجندرمة، وتركوا هناك، تحت الحراسة المشددة والشمس المحرقة (قد يكون ذلك في الفترة ما بين 6 إلى 10 جويلية) مدة 48 ساعة بدون ماء أو أكل، قبل أن تبدأ مرحلة العذاب التي كانت تحتوي على ثلاث مراحل: الضرب المبرح في كل جهات الجسم، فالكهرباء ثم وضع السجين في مسبح وجعل جسمه يغطس كله تحت الماء حتى ينتفخ فيخرج من الماء ليعذب بالكهرباء ثانية.

استمر التعذيب، على هذا المنوال، مدة 17 يوما، نقل بعدها كل المساجين إلى سطيف، ثم إلى قسنطينة حيث نظرت المحكمة العسكرية في أمرهم وحكمت على البعض منهم بالإعدام وعلى البعض الآخر بالسجن لمدد تتراوح بين ال 20 سنة ومدى الحياة.

كما حرمت السلطات الفرنسية، على الجزائريين، دخول بلدة بني عزيز مدة ستة أشهر كاملة. الإجراء طبق حتى على الذين كانوا يسكنون بالبلدة أو لهم محلات فيها.

الأستاذ أحمد عظيمي ــــــــــــــــــ  مداخلة بملتقى دولي بقالمة بتاريخ: 7 و 8 ماي 2012

 

تم تصفح هذه الصفحة 22748 مرة.
فيديو
صورة و تعليق
هدرة الناس
والي سطيف و الكورونا ؟إقرأ المقالة
قناتنا على اليوتيوب
تطوير Djidel Solutions