حالة الطقس
يوم الخميس
21 نوفمبر 2024
الساعة: 10:49:57
وزارة الأشغال العمومية تحسم الجدل حول دفع الرسوم بالطريق السيّارسطيف : الشرطة تفكك شبكة دعارة تنشط بفندق وسط المدينة و توقف أكثر من 20 شخص من الجنسين2484 حادث عمل منها 24 حادث مميت بسطيفالعثور على جثة شاب متفحمة تحت اسلاك الكهرباء بالطايةلاعبو وفاق سطيف المستفيدون من تجزئة 61 قطعة يستغيثون ويستنجدون برئيس الجمهورية
هل الجامعة الجزائرية تقود المجتمع ام يقودها منطق الشارع؟
صوت القارئ


 تعتبر الجامعة في كل دول العالم وعبر تاريخ البشرية أعلى مؤسسة اجتماعية التي توكل لها مهمة إعداد الإطارات  التي يحتاجها المجتمع في كل قطاعاته التنموية. وبالتالي فهي المؤسسة المخولة أخلاقيا وقانونيا واجتماعيا لمهمة قيادة وتوجيه المجتمع من خلال رسالتها في إنتاج المعرفة والقيم والمبادئ التي يلتزم بها المجتمع من اجل تطوره وتقدمه وخروجه من دائرة التخلف و  التبعية. و تعرف الجامعة أنها المؤسسة التي تعمل على تحرير المجتمع من كل القيود الفكرية والعقائدية والقيمية السلبية التي تعيق إقلاعه وتطوره الحضاري.
      غير أن ما يحدث في جامعاتنا الجزائرية خلال هذه السنوات الأخيرة، يجعلنا نشعر بالحيرة والريبة في الأمر. ذلك أنها أصبحت توجه من الشارع وتتأثر به أكثر ما توجهه وتؤثر فيه.  وأصبحت تنفعل بالأحداث أكثر ما تفعل وتصنع وتؤثر فيها. وأصبحت تخضع لمعايير الرداءة أكثر ما تطبق وتفرض منطق الجودة والإتقان والحكامة في التكوين والبحث والتسيير. وأصبحت جامعاتنا تستجيب لنزوات ورغبات الأشخاص والجماعات أكثر ما تستجيب لرسالتها في خدمة مصالح المجتمع. فكثيرا ما لمسنا انها تطبق منطق الزبائنية في التسيير البيداغوجية والاداري أكثر ما تطبق منطق الرسالة والمهمة التي وجدت من أجلها.
    و الغريب في الأمر أن جامعاتنا تدرس كل العلوم والنظريات العلمية في التسيير والإبداع وإدارة العلاقات الإنسانية وإدارة الوقت وفي تشحين الدافعية و معايير الجودة والحكامة العالمية، ولكنها للأسف لا توظف ولا تطبق ولا تستفيد من أي علم من هذه العلوم المعرفية في ممارساتها وإدارة شؤونها البيداغوجية والبحثية والادارية.
    وإلا كيف نفسر الكثير من التنازلات و القرارات العشوائية والاندفاعية التي تتخذ في جامعاتنا الجزائرية؟ أين نجد طلبة لا يحضرون للدراسة فيطيق عليه قانون الفصل من المقياس او المادة ، إلا ان الكثير من الادارات تتدخل في صلاحيات لجان المداولات فتلغي لهم الإقصاءات لتضمن لهم النجاح.
   و طلبة يفشلون و لا ينجحون في مختلف المقاييس فيحتجون على رسوبهم، فتتدخل الإدارة  متجاوزة قرارات الهيئات البيداغوجية الرسمية كلجان المداولات والقوانين السارية المفعول، من أجل إنقاذهم وإنجاحهم بكل الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة.
    و طلبة يتحصلون على نقاط ضعيفة في بعض المقاييس فيهددون بالانتحار أو بالاحتجاج والإضراب، فتتدخل الإدارة لتغيير معدلاتهم بما يضمن نجاحهم ويلغي احتجاجاتهم.
   وطلبة آخرون في الليسانس أو الماستر يعيدون السنة عدة مرات ولا يستطيعون تحقيق النجاح لكون غالبيتهم مدانون (لهم ديون) في مختلف المقاييس فيهددون بالاحتجاج، فتسارع إدارات الجامعات بالتدخل لديهم لتمسح لهم الديون كما تمسح ديون الفلاحين في القطاع الزراعي من قبل البنوك بقرارات سياسية، فتضمن نجاحهم وانتقالهم من مرحلة إلى أخرى و إلى الماستر دون شروط ودون معايير.
    طلبة يستثقلون دراسة العدد الكبير من المقاييس المبرمجة طيلة الأسبوع في بعض التخصصات فيطلبون من الإدارة تخفيض البرنامج وإلغاء بعض المقاييس، فتتدخل الإدارة الجامعية باجتهاد فريد من نوعه بالطريقة الجزائرية فتدمج مقاييس التدريس المقررة والمعتمدة رسميا من قبل وزارة التعليم العالي في بعضها خوفا من احتجاجات الطلبة، استجابة لنزواتهم و طلباتهم بمنطق عتبة الدروس في البكالوريا الذي جاؤوا به من التعليم الثانوي.
        و وصل الأمر ببعض من الطلبة في الماستر إلى التحريض على الإضرابات والاحتجاجات عبر صفحات التواصل الإجتماعي، للمطالبة بإدماجهم كأساتذة جامعيين يدرسون زملاء لهم في السنوات الماضية. وقد تستجيب لهم إدارات الجامعات مستقبلا بل هناك من كلف بالتدريس منهم  في بعض التخصصات بالساعات الاضافية ( حيث طالب ماستر سنة ثانية يدرس زملاء له في ماستر واحد).
      واليوم نجد طلبة ماستر 2 و الذي يصنف في الهيكلة الجدية لنظام التعليم العالي الجزائري كتكوين في مرحلة التدرج ، لآن الانتقال فيه مضمون للغالبية بطريقة آلية دون شروط مسبقة من خلال الترتيب بالمعدلات فقط، و لكل الدفعة قد يصل عددها إلى أكثر من 300 طالب كما حدث في الكثير من الجامعات الجزائرية في الكثير من التخصصات، يطالبون اليوم بمساواة شهاداتهم بالماجستير الذي يصنف كتكوين في ما بعد التدرج في النظام الكلاسيكي الجزائري، حيث يتم الالتحاق به وفق شروط مسبقة( معدل أكثر او يساوي 11.5 أو أقل من ذلك + عدم تكرار السنة خلال كل مراحل التكوين+ إجراء مسابقة كتابية وشفوية) مع عدد المناصب المحدودة لا تتجاوز على الأكثر 15 طالبا  يضاف إليها أن المسابقة لا تفتح كل سنة بل يمكن إعادة فتحها في نفس الجامعة بعد مناقشة كل الدفعة لمذكرات تخرجها. و قد نجد بعض إدارات الجامعات الجزائرية تبحث عن صيغ للاستجابة لمطالبهم بما ان الشهادات والامتيازات تتحقق بالطلب والاحتجاجات وليست بالمعايير والاستحقاقات.
     واليوم نجد الطلبة يسرقون مذكرات التخرج من مختلف الجامعات الجزائرية والعربية والغربية في مستويات الليسانس والماستر والماجستير والدكتوراه وتقدم لإدارات الجامعات الجزائرية تقارير وأدلة لوضع حدا لها إلا أنها لا تتدخل، بل تلتزم الصمت و تغض بصرها وتصم آذانها لكل ما يقال أو يكتب إليها و كأن شيئا لم يكن. بل بعضا منها تغطي وتطمس وتمنع أو تهدد كل من يثير مثل هذه الموضوعات للنقاش.
     كما نلاحظ في نهاية كل سداسي حركة غير عادية من المواطنين والآباء من مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية بالجامعات الجزائرية يتوسطون لدى المسؤولين الإداريين و لدى الأساتذة، والبعض الآخر يلاحقونهم إلى بيوتهم من اجل طلب النقاط والعلامات وتضخيمها لضمان النجاح لآبنائهم، أو من اجل إلغاء تقارير الاحالة على مجالس التأديب أو إلغاء قراراتها عند ضبط عمليات الغش من قبل أبنائهم. فنجد الكثيرين يتجاوبون ويتدخلون ويتوسطون ويضغطون بكل الوسائل لتحقيق رغبات ونزوات الشارع. حيث نسمع من حين لآخر لغة غريبة عن الجامعة (هذا صديقي وهذا أبن عمي وهذا جاري وهذا خالي وهذا نسيبي وهذا وليد خالتي وهذه بنت عمي وبنت خالتي وخالي و هذا تاجر وذاك جزار وذاك خباز و الأخر رجل دولة وفلان يعمل بإدارة مهمة نحتاجه وآخر يقول "مول التاج يحتاج" و هلم جرا ........ من أوصاف وألقاب .. وغيرها.
  ومن جهة أخرى نجد أن الادارات الجامعية تتساهل مع مخالفات وخروقات وتجاوزات ممثلي النقابات الطلابية  وتسمح لهم بفعل ما يشاؤون في الجامعة فينجحون في كل الحالات( لا غيابات تحسب، ولا اقصاءات تراعى، ولا نقاط ضعيفة تبقى  ولا قرارات إحالة على مجالس التأديب تؤخذ بعين الاعتبار) حيث تتعامل معهم الإدارات الجامعية وتحافظ عليهم وكأنهم يملكون حصانة برلمانية تضمن لهم النجاح في كل الظروف، مادام هؤلاء يضمنون لهم السلم الجامعي. ووصل ببعض هؤلاء إلى تهديد أستاذ ورئيس قسم بالإقصاء من منصبه في الجامعة أو الطرد منها إذا لم يلغ تقريره بإحالته إلى مجلس التأديب في احد الجامعات بالغرب الجزائري وقضايا أخرى لها علاقة بالعنف في الكثير منها.  
   إنها سياسة التنازلات و التنازلات المستمرة والهروب إلى الأمام ليس لرفع المستوى البيداغوجية او تحسين ظروف الدراسة للطلبة بل هي تنازلات لإرضاء الجميع من أجل شراء السلم الجامعي و الاجتماعي على حساب رسالة الجامعة ودورها في ترسيخ المعايير والقيم العلمية العالمية المساهمة في تطور المجتمع و بلوغ مؤشرا مجتمع المعرفة.
     وهو ما جعل جامعاتنا الجزائرية تكرس قيم ومعايير غريبة عن أخلاقيات الجامعة ورسالتها في المجتمع كما هو سائد في كل جامعات العالم، حيث أصبحت تُجسد منطق اللامعيارية واللا قانون و اللا مبادئ في الحياة الجامعية من خلال تكريسها لممارسات تعمل إطارات المستقبل: أن النجاح يتحقق بالطلب والاحتجاج والضغوط وليس بالاستحقاق و الجدارة.
    أن النجاح مضمون للجميع  حتى لو انقطع الجميع عن الدراسة.
    أن النجاح سيصبح إجباري حتى للذين لا يريدونه وينفرون  منه.
    أن التفوق والاجتهاد والعمل ما هي إلا مفاهيم جافة و أساطير وخرافات صنعها الفلاسفة والمفكرين لا تنطبق على الواقع الجزائري.
    و أن من يتكلم عن الاستحقاق والاجتهاد والنزاهة وأخلاقيات العمل الجامعي في حقيقة أمرهم مرضى ومجانين ومهوسين لا يعرفون متطلبات التسيير الإداري والبيداغوجي في الجامعة الجزائرية.
  لماذا هذا التنازل وهذه الرداءة التي أصابت منطق التفكير لدى مسيري جامعاتنا؟
     يبدو أن هذا الواقع المر الذي وصلت إليه جامعاتنا له عدة أسباب وعوامل  يمكن لنا حصر بعضا منها في منطق التسيير ومنطق المسؤولية عند الجزائري.
     التأهيل لمناصب المسؤولية في جامعاتنا و إداراتنا الجزائرية مبني على معايير لا تمت بصلة للكفاءة والجدارة والأهلية لا سيما:  ـ معيار الولاء والصداقة.
         ـ معيار النفوذ والتدخلات و الوساطات الخاريجة والداخلية.
         ـ معيار هذا الشخص سهل التحكم فيه وسهل الترويض، نستطيع توظيفه كما نشاء.   
     لذلك نجد الجزائري ( سواء كانت موظفا أو أستاذا برتبة عالية أو عادية) لمجرد تقلده لمنصب المسؤولية يسيطر على تفكيره، ليس ماذا سيقدم كقيمة مضافة إلى الجامعة والأمانة او الرسالة التي كلف بإنجازها وتسحين ما كان يشتكي منه من قبل بقدر ما يسيطر على تفكيره كيف يحافظ على منصبه ويبقى فيه أكبر مدة ممكنة.
     أن الجزائري له قناعة واعتقاد راسخ أن منصب المسؤولية بمثابة غنيمة حرب يؤخذ عن طريق النفوذ والصراعات و فن الطعن في الظهر، يستعملها صاحبه لتحقيق مصالحه و تحقيق امتيازات، وخدمة من يواليه ويسبح بنعمته.
  كما يستعمله الكثيرين أداة انتقام وتصفية حسابات شخصية، و مواجهة من يعاديه أو يخالفه أو يعارضه. لذلك الكثيرمن المسؤولين يجهدون أنفسهم من أجل المحافظة على هذه الغنيمة وهذا النفوذ و يدافعون عنها بكل الوسائل حتى ولو تطلب الأمر تحطيم كل الجامعة أو تسليم شهادات دون تكوين أصلا. (حالات تزوير الشهادات وكشوف النقاط المتابع أصحابها قضائيا في بعض الجامعات الجزائرية). بدليل أن منطق الاستقالة من منصب المسؤولية غير موجود في تفكير وقناعات غالبية المسؤولين الجزائريين في كل المؤسسات عند ظهور هفوات في أو سوء التسيير أو عند انتشار ظواهر ومشكلات سلبية تعبر عن عدم القدرة على التحكم في الأمور. 
   أن الجزائري في منصب المسؤولية يفكر في خدمة من ساعده على تقلد منصب المسؤولية بالاستجابة لأوامره وقراراته الشفوية والكتابية او الايحائية حتى ولو كانت على حساب القوانين وعلى حساب مصداقية الجامعة ومصداقية تكوينها وبحثها وتسييرها، المهم بالنسبة إليه أن ينال رضى ولي نعمته و من قلده منصب المسؤولية أو رقاه إليها.
    بل إن الكثيرين من هؤلاء نجدهم لا يفكرون إلا بما يعتقدون أنه سيرضي مسؤوليهم المباشرين، فيتجردون من استقلاليتهم وحريتهم ومن كل الأفكار والقناعات والمبادئ التي يعتقدون أنها قد لا يستسيغها المسؤولين في المراتب العليا أو تخالف رؤيتهم رغم علمهم المسبق بعدم قانونية او رداءة ما يقومون به او يقررونه. 
  أن عقول الكثير من الجزائريين عندما يكونوا في منصب المسؤولية لا تهمهم الخدمة العمومية  والصالح العام و لا يستطيعون استحضار وتوظيف المفاهيم ذات العلاقة بالنوعية والجودة والحكامة التي تعلموها وتكونوا عليها او درسوها للطلبة كما هو حال الآساتذة الجامعيين، بل تتملكهم الحساسية اتجاه كل هذه المفاهيم والقيم. وبالتالي فكل ما يهمهم هو تحقيق مصالحهم الشخصية وضمان الاستمرارية و البقاء في المنصب حتى سن التقاعد للتمتع بالريع والامتيازات الادارية على حساب الرسالة والمهمة المجتمعية.
   كما أن الجزائري عندما يكون في منصب المسؤولية ينتابه شعور وثقة زائدة في نفسه توصله إلى حالة التكبر والتجبر  لاعتقاده وقناعته أنه في منصب ومستوى المسؤولية الذي يحق له التصرف في الآخرين وبمصالحهم كيفما شاء ومتى شاء وحسب ميزاجه ونزوته ورغبته وقناعاته هو، فيحابي من يشاء ويعطي امتيازات لمن يريد ويكافئ ويعاقب من يشاء، وليس حسب ما يمليه عليه القانون أو تتطلبه المهام الإدارية أو تستلزمه رسالة مبادئ التعليم الجامعي والمصالح العليا للمجتمع.  ومثل هذا المنطق سائد لان المحاسبة عن التجاوزات والاختلالات وسوء التسيير غير مُفعَّلة وغير موجودة أصلا في ثقافة التسيير الإداري في مؤسساتنا وإداراتنا الجامعية.
  أن الجزائري في منصب المسؤولية يهمه شراء السلم الجامعي و الاجتماعي على حساب مبادئ وقيم أو رسالة المؤسسات العمومية والمهام الموكلة إليها، و حتى ولو كان الثمن هو تحطيم سمعة الادارة و الجامعة والدولة الجزائرية. فالكثير من المسؤولين في إدارات الجامعات يعتبرون أنفسهم، هم القانون وهم العدالة وهم الجزائر، بدونهم لا يوجد شيء.
 بدليل أن الكثيرين منهم عندما يريدون تجاوز النصوص القانونية أو خرقها يقدمون تعليمات شفوية لمن هم تحت مسؤولياتهم لتنفيذها، ومن لا يطبقها يقال أو يصنف ضمن المغضوب عليهم وعند أي ضرر يتبرؤون منها بكل بساطة وسهولة.
  كما ان الكثير من الجزائريين عندما يتقلدون منصب المسؤولية يتملكهم الشعور و القناعات في أنفسهم انهم الوحيد الذين يملكون الحقيقة فقراراتهم ومواقفهم دائما هي الأصوب والأصح، فلا يحق للآخرين دون مستواهم في المنصب أن يناقشونهم أو ينتقدونهم أو يعلقوا على قراراتهم ومواقفهم.  ويعتقدون أيضا ان كل ما يأتي من غيرهم من الموظفين خاطئ وتافه ولا يستحق الاهتمام حتى لو كانت فكرة إبداعية جديدة. لذلك لا يستمع هؤلاء إلى الآخرين ولا يبالون بآرائهم وملاحظاتهم أو اقتراحاتهم مهما كانت معقولة ومقبولة وواقعية وتخدم الصالح العام وتندرج ضمن فلسفة ورسالة الجامعة. بل كثيرا ما نجدهم يحتقرون ويستهزؤن بكل من ينتقدهم ويصفونهم بأقبح الأوصاف والنعوت( مشوشين، مناورين، فوضويين...) حيث لا يستمعون إلا لأنفسهم فيما يقولونه فقط ولا يفكرون إلا فيما يريد سماعه من نصبهم في هذه المناصب.
  وكل ذلك يحدث لأن الكثير من المسؤولين في مختلف المستويات بالجامعة الجزائرية استقالوا من مسؤولياتهم وتخلوا عن وظيفتهم ورسالتهم ودورهم في خدمة و توجيه المجتمع، وأصبحوا يسيرون عكس منطق العصر و عكس تيار التقدم والتطور، وعكس المعارف والعلوم والنظريات التي تُكون على ضوئها الإطارات في مختلف التخصصات، بل أصبح الشارع هو الذي يفرض منطقه و يوجهها ويقودها للآسف الشديد.
   تصور حول مبادئ وأسس الخروج من هذا المنطق المقلوب:   
    إن جامعاتنا الجزائرية في أمس الحاجة إلى تغيير مسؤوليها و أساتذتها لعقلياتهم وللكثير من التصورات و التصرفات والسلوكات التي تتناقض ورسالة الجامعة والقوانين السارية المفعول. ويستحضرون الوعي بأدوارهم الحقيقية عن طريق:
    ـ اعتبار الجامعة هي قاطرة المجتمع هي التي توجهه وتصنع له القيم والمبادئ التي يبج العمل وفقها والالتزام بها وليست عربة للركوب.
    ـ اعتبار المسؤولية تكليف وليس تشريف، فمن لا يستطيع تحملها فليعتذر لمن كلفه ويتعفف عنها.
ـ اعتبار منصب المسؤولية أمانة ورسالة تتطلب منا التضحية و تقديم الخدمات وليس الاستفادة من الامتيازات.(la
 responsabilité est une mission pour servir non pas pour s’en servir)
    ـ وضع معايير شفافة وموضوعية ترتكز على مبدأ الكفاءة والنزاهة والاستحقاق للتأهيل إلى مناصب المسؤولية الادارية.
    ـ اعتبار النقد الذاتي والتقويم الذاتي والخارجي من أهم الاستراتيجيات الأساسية لتحسين أداء الجامعة.
    ـ اعتبار التفكير العلمي في معالجة قضايا الجامعة أحد مقومات الحكامة في التسيير والتدبير.
    ـ اعتبار التسيير الجماعي التشاركي أو التشاوري من الاستراتيجيات الضرورية لتفعيل الأدوار وتكاملها لتحقيق النوعية المنشودة.   
    ـ اعتبار فلسفة الجودة أو الحكامة في التسيير البيداغوجي والبحثي والإداري أحد معايير الفعالية والنجاعة التي يتطلبها منطق القرن الواحد والعشرين.
    ـ واعتبار النجاح استحقاقا ينجز بالجهد والاجتهاد و العمل و ليس بالطلب والاحتجاج والتدخلات الإدارية، عن طرق  وتوعية وتدريب وتكوين الطلبة والمجتمع أنه:
         ـ لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون "
         ـ و أنه لا يمكن أن يستوي الأعمى والبصير"
         ـ ولا يمكن أن يستوي الذين يجتهدون ويبدعون والذين يتكاسلون ويقلدون ويغشون.
         ـ ولا يمكن أن تستوي الرداءة مع الكفاءة.
       وكم نحن في حاجة إلى الاستماع إلى بعضنا البعض وإلى الانفتاح على أفكار وانتقادات بعضنا البعض، لنتعلم تقبل النقد والملاحظة ولا نجعل من كل ناقد وملاحظ  أو مهتم بمشكلات الجامعة عدوا لنا.
     كما أننا في حاجة ماسة إلى الرقى بتفكيرنا إلى مستوى الاهتمام برسالة الجامعة ودورها في المجتمع لنعيد لها مكانتها وهيبتها وقيمتها و نهتم بالمصالح العليا لمؤسساتنا ومجتمعنا ونتخلص من تمركزنا حول ذواتنا و التحرر من مصالحنا الشخصية الضيقة.
   وكم نحن في حاجة كأساتذة ومسيرين إداريين إلى تطبيق وتوظيف المعارف والنظريات في الجودة والإتقان والحكامة التي نعلمها لطلبتنا في محاضراتنا في واقع جامعاتنا و في ممارساتنا اليومية.
   وكم نحن في حاجة إلى التعلم جميعا لأسس الحوار والتواصل والمناقشة بموضوعية وبطرق علمية ونتخلص من أسلوب الشتائم و تبادل الاتهامات الجزافية.
   وكم نحن في حاجة إلى الرقى بتفكيرنا إلى مستوى الاقتناع بضرورة العمل الجماعي والتعاوني والتشاركي بدل القرارات الفردية والانفرادية، للتخلص من العقلية الاقصائية والعقلية الانتقامية التي حطمت كل مقومات تطوير جامعاتنا ومجتمعاتنا. ألم  ينص ميثاق الأخلاقيات والآداب الجامعية الصادر سنة 2010 في مادته الثالثة على: إن مفهوم المسؤولية والكفاءة متكاملين ويتعززان بفضل تسيير المؤسسة الجامعية تسييرا قائما على الديمقراطية والأخلاق. وعلى المؤسسة الجامعية أن تضمن التوازن الجيد بين ضرورة فعالية دور الادارة، وتشجيع مساهمة الآسرة الجامعية بإشراكها في سيرورة اتخاذ القرار،مع التأكيد على أن المسائل العلمية تبقى من صلاحيات الأساتذة والباحثين. 
   إنها إثارة لقضايا ومشكلات ميدانية وواقعية تحتاج منا جميعا كل في مستواه إلى التفكير العلمي وإلى إجراء دراسات أكاديمية رفيعة المستوى تشرح واقع جامعاتنا وتبحث في أسبابها وخلفياتها وتقدم الاقتراحات والحلول المناسبة لكل منها، حتى نعيد الاحترام لأنفسنا ولشهاداتنا الجامعية العليا أولا، و لكسب احترام وتقدير الآخرين لنا ولمؤسساتنا العلمية  ثانيا.
  إنها محاولات نقدمها من  باب شعورنا بالمسؤولية الأخلاقية والأكاديمية التي تستلزمها رسالتنا في الحياة وفي المجتمع، لمعالجة الظواهر والاختلالات والمشكلات بطرق علمية وموضوعية. وستتبعها لاحقا موضوعات لمشكلات وظواهر أخرى، فهل من غيور على جامعاتنا ليساهم معنا في تفكيك ألغازها لنعيد لها دورها في قيادة المجتمع؟    
                     للتواصل والنقاش والنقد والاثراءabsalam05@yahoo.fr
                                                                     سطيف في  15 ماي 2015                           
                                          الدكتور خالد عبد السلام قسم علم النفس جامعة سطيف2


تم تصفح هذه الصفحة 10176 مرة.
فيديو
صورة و تعليق
هدرة الناس
والي سطيف و الكورونا ؟إقرأ المقالة
قناتنا على اليوتيوب
تطوير Djidel Solutions