على مدار عشرون سنة الماضية و رغم التوسع الكبير الذي شهدته ولاية سطيف من حيث الكثافة السكانية التي ارتفعت من 1.3 مليون نسمة سنة 1999 إلى أكثر من 2 مليون نسمة سنة 2021 ، بالإضافة الى استقطاب الولاية لعشرات الالاف من الزوار القادمين من الولايات المجاورة يوميا ، و رغم البحبوحة المالية التي شهدتها الجزائر خلال السنوات السابقة إلا أن الاستثمار في قطاع الصحة بسطيف استغلت أمواله أسوأ استغلال ، فطغت ثقافة البريكولاج و غابت ثقافة الاستشراف و التخطيط .
عشرون
سنة من البريكولاج و كورونا تعري الصحة بسطيف
على مدار عشرون سنة الماضية و رغم الانفجار
السكاني بقي لدينا مستشفى جامعي واحد ورثناه منذ الاستقلال أجريت عليه بعض
الترميمات استهلكت مبالغ خيالية و بقي المستشفى تقريبا بنفس طاقة الاستيعاب .
كورونا عرت واقع الصحة بسطيف و لم يعد سرا
أن المركز الاستشفائي الجامعي بسطيف ، و المؤسسات الاستشفائية الاخرى لم تعد تلبي حاجيات الساكنة سواءا من ناحية طاقة
الاستيعاب أو نوعية الخدمات .
أطباء و إطارات المستشفى استنزفوا طاقاتهم في
تسيير المشاكل و التصادم مع المرضى و أهاليهم ، و لجأ الكثير منهم إلى الاستقالة و
التوجه نحو القطاع الخاص أو حتى الهجرة نحو الخارج ، ليخسر القطاع العام في
الجزائر الكثير من الكفاءات أستفاد منها
القطاع الخاص أولا و دول أجنبية ثانيا بالمجان و بدون أي مقابل و هذا طبعا بسبب
سوء التسيير و سوء التقدير و ثقافة البريكولاج و الفساد.
الكتابة عن قطاع الصحة بسطيف قد يطول ، و
لن نفي الموضوع حقه، لهذا سنخصص له حلقات نهدف من خلالها إلى توضيح الصورة
للمسؤولين و للمنتخبين و للسلطات حتى لا تتكرر نفس الأخطاء ، فالوضع لم يعد يطاق و
إثراء هذه المواضيع أصبحت حتمية و ضرورة
ملحة .
طب و
جراحة العظام بسطيف من سيئ إلى أسوء و القطاع الخاص هو المستفيد
في هذه الحلقة سنتكلم فقط على تخصص جراحة العظام
بسطيف ، و هذا لما رأيناه من معاناة يومية
للمرضى الذين يتجه معظمهم إلى العيادات الخاصة في حين ينتظر البعض الاخر طويلا
ليحظى بعملية جراحية بالمستشفى الجامعي ، أما المستشفيات الأخرى و خاصة مستشفى
بوقاعة فإنه أوقف هذه العمليات منذ مدة
رغم توفر مختصين في جراحة العظام ،
لكن المستشفى يفتقد لأطباء التخدير و الوسائل و الأجهزة اللازمة للتشخيص و إجراء
العمليات الجراحية حتى البسيطة منها ، حتى ان الكثير من المرضى المصابون بكسور في
الجهة الشمالية لولاية سطيف أصبحوا يفضلون مستشفيات ولاية بجاية و منها مستشفى
أميزور على عكس مستشفى المنطقة بوقاعة الذي أصبح هيكل بلا روح ، علما أن طرقات
المنطقة تشهد حوادث متعددة و تكون خطيرة في الكثير من المرات .
البروفيسور
زيداني : نحن نسير نحو المجهول
و لأن أهل مكة أدرى بشعابها أتصلنا بالبروفيسور زيداني أستاذة التعليم العالي و رئيس مصلحة طب و جراحة العظام Orthopédie بالمركز الاستشفائي الجامعي سطيف ، أجابت أنها قدمت الى هذه المصلحة سنة 1988 و في ذلك الوقت كان هناك ضغط في هذا الجناح و بعد 33 سنة بقيت المصلحة كما هي فلكم أن تتصوروا إنها الكارثة كما قالت ؟.
البروفيسور زيداني قالت أن الأمر أصبح لا يطاق ، و الحل الوحيد هو
إعادة هيكلة قطاع الصحة بالولاية ، و في مجال طب و جراحة العظام يتعين أولا فتح
مصلحة استشفائية متخصصة جديدة بمدينة العلمة كثاني كثافة سكانية بعد عاصمة الولاية
سطيف ، فهي مؤهلة لفتح هذا التخصص خاصة مع استلام المستشفى الجديد ،علما أن المختصين
متواجدين و ذوي كفاءة عالية و ينقص فقط الهيكل و التنظيم و التجهيزات.
و واصلت الأستاذة زيداني قائلة لقد هرمنا و تعبنا
و لم يعد بإمكاننا المواصلة ، السياسة المتبعة حاليا تتجه بنا إلى نفق مجهول ، فما
جدوى تكوين مختصين لعدة سنوات و بعد أن يصبحوا قادرين على تحمل المسؤولية ، نضعهم
في مستشفيات لا تتوفر على أدنى شروط الممارسة الطبية في جراحة العظام ، في إشارة
لما يحصل بمستشفى السعيد عوامري ببوقاعة أين يتواجد مختصين في جراحة العظام ، لكن
كل الحالات يتم تحويلها الى مستشفى سطيف بسبب عدم توفر مستشفى بوقاعة على أطباء
تخدير و على التجهيزات الأخرى للاستشفاء
في جراحة العظام .
البروفيسور
زيداني عززت تصريحها بقولها أن الأمر تجاوز قضية التكفل بالمريض و أثر حتى على
نوعية التكوين و التأطير للطلبة الجدد ، فالمصلحة تستقبل مئات الطلبة منهم 40 طبيب
داخلي رغم أن مصلحة طب العظام لا تتوفر سوى على 40 سرير، فوضع مخطط عمل و تنفيذه علميا
و عمليا أصبح ضرب من الخيال ، و رغم تبليغ هذه الكارثة للمسؤولين إلا أن الكل يتهرب
و لا أحد يريد حتى مناقشة الامر الذي لم نعد باستطاعتنا تحمله كما قالت ، لهذا فهي
في طريقها لمغادرة المستشفى هذه السنة بسبب هذا الوضع المتردي و هذا المناخ المتعفن .
البروفيسور زيداني حملت جزء من المسؤولية للإعلام
المحلي حين قالت ، كفانا من إظهار العيوب فقط فهي لا تعد و لا تحصى و أصبحت معروفة
للعام و الخاص ، على الاعلام أن يساهم في البحث عن الحلول و تسويق هذه الحلول ،
فالجميع في ورطة حقيقية و المستشفى يختنق و نحن في مصلحة طب و جراحة العظام لم نعد
نقوم بمهام البحث و مواكبة ما يحدث في العالم من تطور في هذا المجال ، نحن الان
نقوم فقط على حسب تعبيرها بـــ "تجبير عرب" لكثرة الوافدين المصابين
بالكسور الناتجة أغلبها عن حوادث المرور ، فإلى أين نحن متجهون ؟
و ختمت الأستاذة كلامها معنا بأن ركائز
مصلحة طب العظام بسطيف يعانون من هذه الوضعية منذ سنوات ، و أضافت : أنا متأكدة
أنه حتى الأطباء المختصين الجدد لن يصبروا على هذه الوضعية و سيغادرون المستشفى الواحد
تلو الاخر و المريض الفقير هو الخاسر في كل الأحوال .
الدكتور
المختص بوخنوفة : على الدولة الإسراع في التكفل بالأطباء المختصين.
أما الدكتور المعروف بوخنوفة مراد المختص في جراحة العظام بالمؤسسة الاستشفائية
العمومية العلمة ، فأكد لصوت سطيف أن
مستشفى العلمة يشهد توافد عدد كبير من المرضى المصابين بكسور بسبب حوادث
المرور اليومية التي تعرفها المنطقة ، فالعلمة تقع بمحور حساس يمر بها الطريق السيار شرق غرب و عدة محاور لطرق
وطنية و هي قطب تجاري و مقصد لآلاف الزوار يوميا ، كل هذا صعب من التكفل بالمرضى
ضحايا الحوادث المرور خاصة ، فالمستشفى صغير جدا و هو موروث كولونيالي ،بالإضافة إلى
نقص الأطباء المختصين في جراحة العظام و الجراحة العامة و أطباء الإنعاش ، ناهيك
عن وسائل التشخيص من أجهزة السكانير و scoop و غيرها ، ليضطر معظم المرضى الى التصرف حسب
امكانياتهم المادية بالتوجه الى مستشفيات مجاورة أو التوجه نحو القطاع الخاص .
الدكتور بوخنوفة أكد ان على السلطات الإسراع
في وضع خطة لإصلاح ما يمكن إصلاحه و من جانبه يري أن الحلول الواجب العمل بها على
المدى القصير على مستوى مستشفى العلمة تكمن في توفير الوسائل الطبية و منها سكانير
سكوب و كذا معدات جراحة العظام و خاصة prothèse، plaque، brocheمع
التكفل بالأطباء الأخصائيين من الناحية الاجتماعية و الراتب و توفير السكن حتى لا
يهربون الى الخواص أو الى الخارج .
مستشفى
بوقاعة : العمليات الجراحية فقط للختان و الزائدة الدودية
من جهة أخرى صرح لنا طبيب مختص بمستشفى
بوقاعة رفض الإفصاح عن اسمه أن المستشفى تحول إلى مركز فحص لا أكثر ، فجل الحالات
الجراحية و خاصة جراحة العظام تحول إلى
مستشفى سطيف لعدم وجود أطباء مختصين في الإنعاش ، لتقتصر العمليات الجراحية على
الختان و الزائدة الدودية و العمليات الأخرى للأشخاص الذين يثبت عدم تعرضهم لمضاعفات
التخدير.
إنه الواقع المزري الذي يعري التسيير
الكارثي في قطاع الصحة وطنيا و محليا و يطرح أكثر من سؤال حول ما كان يفعله المسؤولون
في مركز القرار الأول ، ففيروس كورونا عري ما كان مستورا من فساد على جميع
المستويات ، في إنجاز الهياكل ، في توفير المستلزمات ، في التكفل بالاطقم الطبية و
الشبه طبية و في التنظيم و التسيير الذي رافق
سنوات الرخاء التي لم نجني منها سوى الرداءة و الفشل الذريع .
ـــــــــــــــــــــــــــــ عاشور جلابي
/ صوت سطيف .