بعد نشره للعديد من الكتب التي أثرت المكتبة الوطنية و المحلية خاصة في مجال إحياء الذاكرة الوطنية و كذا التعريف ببعض المجاهدين و الشهداء و رجال الدين و الاعلام  في جميع مناطق ولاية سطيف، يواصل الأستاذ الدكتور " سفيان لوصيف" مساره النبيل  في سياق الكتابة عن سير العلماء و المشائخ ، ليكون له مولود جديد في هذا الشأن بإصداره لكتاب قيم حول أحد مفاخر ولاية سطيف الذي لا يجود الزمان بأمثالهم في كل وقت و حين، ألا و هو الفقيه المالكي و المصلح الشيخ صالح معطي، هذا الرجل و إن كان معروفا عند أهل عصره لما حباه الله من المزايا، و منحه من العطايا، جعلته يحظى بذكاء حاد، و توقّد فكر، فأنتج المؤلفات و المصنفات، و ترك في مجال الدين و الإصلاح كثيرا من البصمات، فعلى الرغم من ذلك لا يكاد يعرفه اليوم من الجيل الجديد إلا القليل.

وجاء في كتاب الدكتور لوصيف سفيان أن الشيخ صالح معطي أحد أعلام ولاية سطيف الذين أنجبتهم قرية الماعلي بدائرة عموشة ذات التاريخ العلمي العريق، فهو شيخ متفنن في عدد من ضروب العلم و المعرفة، كالعقيدة، و التفسير، و الحديث، و اللغة، و التاريخ، على أنه اشتهر بالفقه و علم الفرائض أو المواريث، و كتاباته في دفاتره الخاصة شاهدة على علو كعبه، و مكانته بين فقهاء المذهب المالكي، و الفقيه صالح معطي شيخ الأجيال من طلبة العلم بالجزائر الذين قصدوا مجالسه، في مسقط رأسه قرية الماعلي، و في عموشة التي كان بها إماما خطيبا و كذا في مسجد حي طنجة بسطيف المدينة، و في بجاية بمختلف بلدياتها و قراها، أو حيثما كان ينزل في رحلاته، للنهل من علمه، و التزود من معارفه، فقد قام بجهود جبارة في مجال العلم و الدين شعّ نورها و سرت بركتها و عمت خيراتها مناطق عديدة.

و جاء في كتاب الدكتور " سفيان لوصيف " الذي بحث كثيرا في تاريخ المنطقة أن الشيخ صالح معطي من الذين يجهرون بالحق و الصدق و البيان مع الإدلاء بالحجة و البرهان، لا يستغني عنهم المجتمع في كافة أحواله و ظروفه، لأنهم قدوة الجميع في العلم و السلوك و الأخلاق، و في الحب لدينهم و وطنهم، و لأجل ذلك يقدّمون كل غال و نفيس و يتركون الأجيال لتستفيد من تجاربهم، و لينسجوا على منوالهم، و ليتمكنوا من ربط ماضيهم بحاضرهم، مما يحتم على هذه الأجيال ضرورة الاهتمام بهم و تقديرهم، و البحث في مكامن تميزهم و جليل أعمالهم، اقتداء بهم و سيرا على نهجهم، و ارتساما لخطاهم في العطاء.

و قد انتهى بحث الاستاذ الدكتور إلى وضع ترجمة متفردة للشيخ صالح معطي جاء فيها ما تعلق بنشأته و أسرته، ثم بمن أخذ عنهم من شيوخ العلم في مسقط رأسه و زوايا منطقة القبائل التي تعلم فيها، و اشتغاله في التدريس و الإمامة في مختلف الجهات، و تتبع كتاباته و خطبه المنبرية، التي تم جمعها و تقديمها، و ذكر مرضه و وفاته رحمة الله عليه، و آثاره.

و يرجو مؤلف الكتاب أنه قرّب هذه الشخصية الفذة من فكر القارئ و لو بنسبة يسيرة للرجل و إلى آثاره، محاولا جمع أخبار الفقيه صالح معطي و تحقيقها، و النظر فيما خلفه من آثار دينية و علمية، و لما كان ما خلّفه من نصوص غير مطبوعة و متفرقة بين الأبناء و الأحفاد و الأقارب، جلبها و قابل ما تكرّر منها في مصادره، و عمل على تحقيقها و ضمّها إلى ترجمته حفظا لها من الضياع و تقريبها من المهتمين و الباحثين.

و محاور التي طرحها الكتاب لا تعدو أن تكون إلا طرقا للباب في انتظار من يلج هذا المجال للإمساك بكل محور، و إعطائه ما يستحق من عناية، إذ واحد منها مؤهل ليصبح مشروع بحث لإنجاز رسالة أكاديمية أو مؤلّف مستقل في العلوم الشرعية بفروعها الفقه و الحديث و العقيدة.

و أثنى المؤلف على الجميع لما بذلوه معه من مجهودات في هذا العمل التاريخي الجديد و البالغ الأهمية، الذي سيغني و لاشك المكتبة الوطنية، و سيسهم في دعم رصيد الجزائر التاريخي و صيانة الذاكرة الوطنية  و تقديمها للأجيال القادمة جيلا بعد آخر، وهو ما يسعى الاستاذ لوصيف اليه  من خلال  بحثه في الميدان و في الارشيف المحلي و حتى الفرنسي ليقدم لنا مادة تاريخية ثرية جديرة بالاطلاع عليها .

          ــــــــــــــــــــــــــــــ عاشور جلابي / صوت سطيف .