طالعتنا جريدة الحوار الجزائرية منذ أيام
بحوار للدكتور لوط بوناطيرو العالم الفلكي الجزائري المعروف لدى الرأي العام
بخرجاته المخالفة لما هو مألوف و ما يكاد يشكل إجماعا بين الجزائريين بل و بين
المسلمين عامة، وهاهو في هذا الحوار يخالف جماعات البشر كلها مدعيا أن الأسبوع ستة
أيام إلى ترهات أخرى كثيرة.
لم أكن
أميل من قبل إلى متابعة ما يقوله السيد بوناطيرو كثيرا، وكنت أبتسم وأنا أسمع عن
خصوماته مع الناس على وسائل الإعلام حتى خرج علينا منذ أشهر قليلة بذلك الرأي
الغريب الذي يقول فيه إننا نصلي الفجر قبل وقته بأربعين دقيقة والأغرب في الموضوع
أنه لم يقدم أي دليل على دعواه اللهم إلا إشارته إلى أن خروج المصلين من صلاة
الفجر في الظلمة هو على حد زعمه دليل على أننا نصلي الفجر قبل وقته غير مدرك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة معه كانوا ينصرفون من صلاة الفجر في الظلمة
أو ما يسمى الغلس بدليل الحديث الذي في موطأ مالك والصحيحين عن عائشة أم المؤمنين
رضي الله عنها أنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف
النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس. وقد أحدث كلامه بلبلة وتشويشا على
المصلين الذين غدوا يتساءلون هل نحن نصلي صلاة الفجر قبل وقتها وهل صلاتنا مقبولة
لكن الشيخ بوناطيرو ( وأنا أسمح لنفسي أن أسميه شيخا لأنه في كل فتاويه إنما
يستشهد بالآيات والأحاديث ولم نر منه ما يدل على تبحره في علم الفلك ولم نسمع منه
أي طروحات أو حسابات أو أقاويل ينور بها الرأي العام وشبابنا في هذا العلم الكبير
الذي يسمى علم الفلك ) فأفتاهم بأن الله سوف يقبل صلاتهم مستشهدا بما نزل في حق
الصحابة الذين صلوا إلى بيت المقدس وقال لهم الله عز وجل بعدها ( وما كان الله
ليضيع إيمانكم ) لكن الشيخ بوناطيرو قال إن الله قال بعد الحادثة (إن الله لا يضيع
أجر المحسنين) مما يدل على قلة تعمقه في علوم الشريعة وليس هذا بغريب على عالم
الفلك يخوض في غير علمه ومن خاض في غير فنه أتى بالأعاجيب كما يقولون.
ثم وقع بعد
ذلك أن وقّع واحد وعشرون عالما وباحثا جزائريا في علم الفلك و الفيزياء النظرية
والجيوفيزياء بيانا مشتركا يردون فيه على أقوال بوناطيرو ويستنكرون ذلك القول
الغريب حول مواقيت الصلاة والصوم ويستنكرون اتهامه لمعهد الكراج CRAAG ورميه إياه
بالخطإ والمؤسف أن الدكتور بوناطيرو لم يرد على هؤلاء العلماء ولم يستجلب لصفه أي
واحد من علماء الفلك و الفيزياء النظرية ليسنده في أقواله ولكنه يرد بالآيات
والأحاديث و يخلط بين علوم الشريعة و علوم الفلك وما كان له ذلك وما يليق بمقامه
كعالم فلك أن يخلط بين علوم الشريعة و علوم الفلك.
أما علوم
الشريعة فأهلها هم علماء الشريعة الذين يفهمون النص القرآني وفقا للقواعد الواضحة
في فهم النصوص تستند على علم اللغة العربية وعلى أصول الفقه وعلى فهم الصحابة
والتابعين والتابعين لهم بإحسان.
وأما علم
الفلك فإنه علم قائم بذاته له قواعده المعروفة وأساليبه الراسخة يقوم على القواعد
والقوانين والنظم لكن السيد بوناطيرو اقترح علينا تعريف غريبا لعلم الفلك يقول فيه
أنه العلم الذي يستوعب كل العلوم علوم الشريعة وغيرها في خلط لا يليق بعالم وفي
خلط يدل على أنه لا يفرق بين العلوم وبين موضوع التكامل بين العلوم وحاجة العلوم
لبعضها. أما علم الفلك الذي نعرفه فهو كما تقول موسوعة ويكيبيديا: " هو الدراسة
العلمية للأجرام السماوية (مثل النجوم، والكواكب، والمذنبات، والنيازك ،والمجرات)
والظواهر التي تحدث خارج نطاق الغلاف الجوي (مثل إشعاع الخلفية الميكروني الكوني).
وهو يدرس تطور الأجرام السماوية، الفيزياء، والكيمياء، والحركة، بالإضافة إلى تكون
وتطور الكون." وبالإنجليزية: " Astronomy (from Greek: ἀστρονομία) is a
natural science that studies celestial objectsand phenomena. It applies
mathematics, physics, and chemistry in an effort to explain the origin of those
objects and phenomena and their evolution. Objects of interest include planets,
moons, stars, nebulae, galaxies, and comets; the phenomena also includes
supernova explosions, gamma ray bursts, quasars, blazars, pulsars, and cosmic
microwave background radiation. More generally, all phenomena that originate outside
Earth's atmosphere are within the purview of astronomy. A related but distinct
subject is physical cosmology, which is the study of the Universe as a
whole."
ويمضي
السيد بوناطيرو في غرائبه أبعد من ذلك بكثير فيقول إنه درس علم الفلك منذ آدم عليه
السلام ويقول أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون وفق تقويم خاطئ وأن
النبي صلى الله عليه وسلم قد اعترف بذلك الخطإ ثلاثة أشهر قبل وفاته حين قال في
حجة الوداع ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض )، ويقول
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صحح ذلك الخطأ!
ولا أجد
والله بماذا أعلق على كلام السيد بوناطيرو؟! هل نعيد شرح الحديث الذي يعرفه طلبة
العلم وهو كما يقول المباركفوري في عون المعبود شرح سنن أبي داود: " (إن
الزمان قد استدار كهيئته).. أي دار على الترتيب الذي اختاره الله تعالى ووضعه يوم
خلق السماوات والأرض وهو أن يكون كل عام اثني عشر شهراً وكل شهر ما بين تسعة
وعشرين إلى ثلاثين يوماً، وكانت العرب في جاهليتهم غيروا ذلك فجعلوا عاماً اثني
عشر شهراً وعاماً ثلاثة عشر فإنهم كانوا ينسئون الحج في كل عامين من شهر إلى شهر
آخر بعده ويجعلون الشهر الذي أنسؤوه ملغى فتصير تلك السنة ثلاثة عشر وتتبدل أشهرها
فيحلون الأشهر الحرم ويحرمون غيره، فأبطل الله تعالى ذلك وقرره على مداره الأصلي،
فالسنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هي السنة التي وصل
ذو الحجة إلى موضعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الزمان قد استدار يعني أمر
الله تعالى أن يكون ذو الحجة في هذا الوقت فاحفظوه واجعلوا الحج في هذا الوقت ولا
تبدلوا شهراً بشهر كعادة أهل الجاهلية". أم نعيد تذكير السيد بوناطيرو أنه
ليس عالما من علماء الشريعة وأن كلامه يدل على أنه لا يفقه فيها شيئا كثيرا و أن
كلامه يدل على أنه مغرم بالغرائب والعجائب والأساطير ومخالفة ما تعارف وتعاهد عليه
الناس؟!
ويمضي أبعد
من ذلك فيقول أن الأسبوع ستة أيام بدل السبعة مستدلا على ذلك بما عرف عن بني
إسرائيل أنهم قالوا في افتراءاتهم على الله عز وجل أنه خلق السماوات والأرض في ستة
أيام ثم استراح في اليوم السابع وقيل بني إسرائيل هذا دليل على أنه لا يوجد يوم
سابع حسب السيد بوناطيرو والجهل نوعان: جهل بسيط حين لا يكون المرء لا يعلم أشياء ويعترف أنه لايعلم
تلك الأشياء، والجهل المركب حين يكون الإنسان في غاية الجهل في علم من العلوم أو المعارف
ثم يدعي أنه العالم الجهبذ الأوحد التحرير الذي اكتشف خطأ السادة العظاريط في تلك
العلوم!.
أنصح السيد
بوناطيرو من كل قلبي أن يكف عن الترهات و الغرائب والعجائب ، وأنصحه أن يكتب
مقالات علمية يشفعها بالأدلة والبحوث و يرد على أقوال علماء الفلك الجزائريين الذين
رموه بالخلط والتخليط ورموه بالتقول والدعوى من غير دليل، وأنصحه ألا يتستر في
أقواله بالآيات والأحاديث التي إذا دلت على شيء فإنها تدل على قلة بضاعته في علوم
الشريعة و قلة فهمه للآيات والأحاديث ، وأنصحه أن يترك فهم النصوص لأهلها لأن تلك
النصوص كلها وحي من الله عز وجل إلى عباده كلّف العلماء بفهمها وتقريبها .
وأنصحه أن
يكف عن التسويق لنفسه بالمبالغات ويدعي أنه درس علم الفلك منذ آدم عليه السلام إلى
وقتنا هذا لأن علم الفلك منذ آدم عليه السلام إلى وقتنا هذا لم يتغير و الذي يدرسه
في يوم واحد فقد درسه في كل الأزمان لأن سنن الله واحدة لم يحدث عليها ولم يطرأ
عليها أي تغيير وأنصحه أن يكف عن مخاطبة الجماهير بهذه القضايا التي تثير حيرتهم
واستغرابهم كما يستغربون الحيوانات التي تقفز داخل كرات النار في السيرك. وإذا كان
عنده أمور فعليه أن يناقش أهلها ويناقش المختصين فيها فلكل ميدان فرسانه ولكل مقام
مقاله كما يقولون.
وإذا كان
لي من أمنية في آخر هذه العجالة فإني أتمنى أن يكتب التاريخ السيد بوناطيرو عالما
من علماء الفلك الجزائريين المحترمين الذين يتركون كتابات جديرة بالقراءة
والاحترام وجديرة بالتأمل والتمعن وجديرة بالاقتناء، ولا يكتب عنه التاريخ أنه كان
غريبا ذا غرائب مثيرا للزوابع التي لا تخفي من ورائها إلا أنها شغلت الجزائريين
بما لا يفيدهم و لا يزيدهم علما.
والحمد لله
رب العالمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور علي حلتيم .