منظومة الدرع الأمني في صحراء الجزائر
بقلـم:أ/ كردالواد مصطفى●
لقد أصبحت منطقة الساحل تحوي العديد من التهديدات الأمنية، حيث تحوّلت هذه المنطقة إلى مرتع للمجموعات الإرهابية وللعصابات الناشطة في مجال التهريب وتجارة السلاح وتجارة البشر...الخ، واستفادت هذه المجموعات والعصابات من حالة الفشل والضعف اللذين أصابا دول المنطقة. ضف إلى ذلك استفادت هذه المجموعات والعصابات من العامل الطبيعي الذي ساعدها كثيرا على التحرك في مساحات شاسعة في أكبر صحراء عالمية وهي الصحراء الإفريقية؛ فهذه التحولات العميقة التي لحقت بالخارطة الجيوأمنية لمنطقة الساحل الصحراوي صعّبت من مأمورية دول المنطقة في مكافحتها لهذه التهديدات.
تعاني الجزائر اليوم وعلى غرار باقي دول المنطقة من تزايد احتمالات انتقال عدوى التهديدات الأمنية المنتشرة في دول الحزام الجنوبي ومنطقة الساحل، ويأتي على رأس مهددات الأمن القومي الجزائري كل من الإرهاب، تجارة المخدرات، الهجرة السرية، التهريب بجميع أنواعه، تجارة السلاح ، الأمراض المتنقلة...الخ
ولمواجهة هذه التهديدات الأمنية الجديدة، قامت الجزائر بإعادة تحيين لاستراتيجيتها الأمنية؛ وذلك من خلال تفعيلها لأدوات صلبة وأخرى لينة. وتُجسّد منظومة الدرع الأمني الصحراوي استراتيجية الجزائر في مجابهة التهديدات الأمنية المنتشرة بحدة على طول حدودها الجنوبية.
ترتكز منظومة الدرع الأمني على تفعيل متوازي للأدوات السياسية والعسكرية والقانونية والاقتصادية والإعلامية. لذلك يشكّل التكامل المحوري بين خماسية هذه الأدوات منظومة وطنية وإقليمية فعالة لمواجهة التهديدات الأمنية التي أص بحت تحتل وبقوة المشهد الدولي. وهي تهديدات متراوحة في طبيعتها؛ فمنها ما هو ذو طبيعة عسكرية، ومنها ماهو ذو طبيعة غير عسكرية؛ لكن يبقى العامل المشترك بين كل هذه التهديدات هو خصوصيتها العابرة والمتخطّـية للحدود الوطنية.
تقوم منظومة الدرع الأمني الصحراوي في شقها السياسي على المنظور الدبلوماسي الجزائري في معالجة أزمات الدول المستمد من ثوابت الأمة، ومن تعهداتها الدولية وفق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بالإضافة إلى تجربتها في مجال مكافحة الإرهاب وتحقيق المصالحة الوطنية.
ويستند هذا المنظور بدوره على تغليب لغة الحوار والحل السياسي للأزمات الداخلية؛ مع ضرورة مرافقة هذه الحلول السياسية بحلول أخرى غاية في الأهمية؛ والمتمثلة أساسا في الحلول التنموية في إطار رؤية مبتكرة لتحقيق الأمن بالتنمية. لذلك تتطلب هذه الأخيرة (الحلول التنموية) إطلاق مشاريع إنمائية كبرى، وبرامج واسعة لمكافحة الفقر.
وعلى هذا الأساس حركت الجزائر دبلوماسية السلم والأمن في مالي، وقامت برعاية مفاوضات السلام بين أطراف النزاع، حيث تُـوّج هذا النشاط الدبلوماسي المضني بالإمضاء على اتفاق السلام والمصالحة في مالي.
إنّ نجاح الوساطة الجزائرية في حل الأزمة المالية جعلها تـتجه صوب الأزمة الليبية، حيث تقوم الجزائر حاليا بجهود حثيثة لجمع فرقاء الأزمة في هذا البلد، وتنال الجهود الجزائرية من أجل رعاية جولات الحوار السياسي في ليبيا إشادة أعضاء المجموعة الدولية ومنظمة الأمم المتحدة .
وتبقى جهود الدبلوماسية الجزائرية متواصلة على الصعيدين الإقليمي والعالمي من أجل عقد إتفاقيات واستصدار قرارات وتوصيات لمكافحة التهديدات الأمنية وتجفيف منابع تمويلها؛ وفي هذا الشأن تمكّـنت دبلوماسية المنظمات الدولية التي انتهجتها الجزائر مؤخرا من إقناع أعضاء المجموعة الدولية على مستوى منظمة الأمم المتحدة بضرورة تجريم دفع الفدية للمنظمات الإرهابية.
وفي الشقّ العسكري لمنظومة الدرع الأمني الصحراوي؛ أدركت القيادة الجزائرية مُبكّرا طبيعة عمليات مواجهة التهديدات الأمنية المنتشرة في دول الجوار، باعتبارها مواجهة ضد تهديد لاتماثلي يستغل البيئة الطبيعية التي تتميز بتضاريسها الصعبة؛ لذلك فهي بالأساس حرب استعلامات ومعلومات أكثر منها حرب مباشرة مع العدو .
إلى جانب أهمية عنصر الاستعلام والمعلومة الأمنية المسبقة لإجهاض مهددات الأمن الوطني الجزائري؛ فرض هذا النوع الجديد من الحروب اللاتماثليةGuerres Asymétriques على القيادة الجزائرية ضرورة إعادة نشر قواتها العسكرية في الجنوب الاستراتيجي، وذلك بالتنسيق مع باقي الأسلاك الأمنية، كما تم تدعيم هذه القوات بالعنصر البشري واللوجيستيكي اللاّزم للتعامل السريع مع أي اختراق أمني للداخل الجزائري.
وفي نفس السياق أولت السلطات الجزائرية أهمية بالغة لعمليات التنسيق العسكري والاستخباراتي مع دول الساحل؛ حيث تَـدْعَم الجزائر لجنة الأركان العملياتية المشتركة لدول الميدان، كما أبدت إلتزاما بمسار نواقشط الذي تأسس سنة 2013؛ باعتباره آلية جديدة للأمن الإقليمي في المنطقة، ويجتمع هذا المسار دوريا على مستوى رؤساء مصالح الاستعلامات والقادة السياسيين لمنطقة الساحل الصحراوي. وتصبّ كل هذه الجهود في إطار تبادل المعلومات والخبرات؛ من أجل الرّفع من وتيرة التعاون الأمني والعسكري لمجابهة التهديدات الأمنية المشتركة على غرار الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة السلاح…الخ.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن منظومة الدرع الأمني الجزائري تستند في مجابهتها للتهديدات الأمنية التي تحدق بالأمن القومي الجزائري على مجموعة من النصوص القانونية الدولية (الإتفاقيات) والوطنية، فهذه النصوص لها أهمية كبيرة من الناحية القانونية والحقوقية؛ لأنها تضفي شرعية على جهود مختلف الأجهزة والقوات في عملياتها الخاصة لمكافحة التهديدات الأمنية.
وفي ما يخص منظومة الدرع الأمني في شقها الاقتصادي يعتمد منظور السلطات الجزائرية في هذا الشأن على الوظيفة الأمنية للماء؛ من خلال دوره في صنع السلم، وفي تثبيت واستقرار السكان المحليين، بالإضافة إلى دوره الحيوي في تنشيط الحركة الاقتصادية في منطقة صحراوية جافة على مدار السنة. لذلك يعتبر مشروع تحويلات المياه انطلاقا من المياه الجوفية لمنطقة عين صالح إلى غاية منطقة تمنراست وعلى مسافة 750 كلم؛ تجسيدا لمنظور الجزائر لإعادة بعث الحياة الاقتصادية والاجتماعية في هذه المنطقة القاحلة؛ وذلك على طول مسافات مد خطوط تحويلات المياه.
ويلاحظ المتتبع للأحداث الجارية بأن التحذيرات الأمنية أصبحت في الآونة الأخيرة تصدر علنا من أعلى دوائر صناعة القرار الأمني في الجزائر، وهدف هذه التحذيرات هو تعزيز الشق الإعلامي لمنظومة الدرع الأمني بنشاطات التوعية والتحسيس من التهديدات الأمنية في إطار حق المواطن في الحصول على المعلومة الأمنية، وكذلك من أجل تـمتين الوحدة الوطنية، ودعم انتظام الطاقة الدفاعية للأمة حول الجيش الوطني الشعبي لصيانة أمن الدولة وأمن شعبها والحفاظ على المصالح الاستراتيجية للأمة .
في الأخير، تُضاف تجربة الدرع الأمني الصحراوي إلى سلسلة التجارب الناضجة التي تحوزها الجزائر في مجال مجابهة التهديدات الأمنية، فكل هذه التجارب جعلت منها عضو فعّـال في العديد من المبادرات الأمنية مع شركائها على المستويين الجهوي والعالمي؛ وفي هذا السياق تعتبر الجزائر عضو فعّـال في منظومة الأمن الدولي التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة، كما تُصنّف (الجزائر)كأحد أنشط أعضاء الحوارت الأمنية المتوسطية. وفي مجال الأمن العربي المشترك تعدّ الجزائر عضو قيادي بارز في تنفيذ العديد من الاستراتيجيات الأمنية العربية. أما على مستوى منظومة الأمن الإفريقي فتبذل الجزائر جهود معتبرة في إطار مبادرات وأجهزة الإتحاد الإفريقي.
● باحث في طور الدكتوراه.
المراجع:
1- دستور الجزائر لسنة 1996 المعدل والمتمم.
2- مجلة الجيش، عدد 618، جانفي 2015، مؤسسة المنشورات العسكرية، مديرية الإيصال والإعلام والتوجيه، الجزائر.
2- بلقاسم حجاج، مشروع إيصال مياه الشروب ينطلق في أكتوبر المقبل، المستقبل، 09/08/2008، في موقع البحث الإلكتروني جزايرس.