سطيــــف والثلــــج:
حكاية مدينة مع الأبيض والأسود
بقلم: كـــردالـــواد مـصـطــــــفى
شهدت الجزائر خلال اليومين الأخيرين تساقط
كميات معتبرة من الأمطار والثلوج مما أبعد نوعا ما شبح الجفاف عن البلاد. وكباقي مناطق
الجزائر عرفت منطقة الهضاب العليا بسطيف وكعادتها خلال فصل الشتاء زيارة ضيف عزيز
يُدخل البهجة والسرور في نفوس الكبار والصغار. إنه الثلج الذي كسى المدينة ومرتفعاتها
بحلة بيضاء. فقد استفاق سكان ولاية سطيف خلال صباح اليومين الأخيرين على زيارة هذا
الضيف التي طال موعده هذه السنة.
تراوح سمك
الثلوج من منطقة لأخرى على تراب الولاية الشاسع؛ خاصة في مدن وقرى ومداشر المنطقة
الشمالية لولاية سطيف المعروفة بارتفاعها الكبير عن مستوى سطح البحر. فالحديث عن
سمك الثلوج في هذه المرتفعات هو حديث عن سمك يتجاوز المـتر وليس السنتيمترات فقط،
وبالخصوص في سلسلة جبال بابور ،والمناطق المجاورة له كعين الكبيرة وعموشة، بالإضافة
إلى جبل مغرس وسلسلة جبال بوقاعة وبوعنداس وبني موحلي وآيت نوال أمزادة وجبال بني
ورثيلان وبني عزيز وجميلة، وغيرها من المرتفعات والجبال التي تشغل حيز هام من
مساحة الولاية.
صورة لسلسلة جبال بابور المصدر/ صوت سطيف
فهذه المناطق المذكورة على سبيل المثال لا
الحصر هي مناطق سياحية بامتياز طوال فصول السنة. ولكن يبقى المميز فيها خلال فصل
الشتاء هو حلة الثلج التي ترتديها مرتفعاتها لأشهر عديدة. لذلك فالزائر لهذه
المناطق في هذه الأجواء الثلجية سوف لن يُفرّقها عن سلسلة جبال الألب الأوروبية من
حيث جمال حلتها البيضاء كالبحيرات والسواقي الجليدية الصغيرة، وقطرات الماء المتجمدة المتصببة من الأشجار
وصخور المنحدرات صانعة بذلك أشكال بلورية ساحرة. زيادة على الحيوانات البرية والطيور
التي هي الأخرى عادة ما تبتهج بسقوط الثلج.
لكن يبقى الفارق كبير بين طبيعتنا العذراء
التي لا يزال يعاني سكانها في بعض القرى والمداشر والتجمعات السكنية المعزولة من
قساوة الشتاء في مثل هذه الظروف الباردة رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة. وفي الشق السياحي
لا تزال مناطق الهضاب العليا تحتاج إلى مزيد من الاستثمار السياحي الذي سوف يشجع
السياحة في هذه المناطق الجميلة، بخلاف الدول الأوروبية مثلا التي تخترقها جبال
الألب. فكل من فرنسا و إيطاليا وسويسرا قاموا وفي إطار تشجيع السياحة الشتوية بتهيئة
وتجهيز هذه الجبال والمرتفعات بالفنادق والمنازل الجبلية ومحطات الراحة والتزلج.
نعود إلى قصة مدينة سطيف مع الثلج الذي كسى شوارعها وأزقتها وسقوف منازلها وشرفاتها خاصة المدينة القديمة المعروفة بسقوفها القرميدية التي تعلو حاراتها ومبانيها العتيقة. فقد أضفى اللون الأبيض على كل هذه الأمكنة جمالا ورونقا. يجعل الناظر يستشعر هذه المناظر الخلابة في جو رومانسي دافئ )رغم البرودة( على وقع ذلك الصوت الملائكي فيـروز الرحبـــــاني وهي تردد أغنيتها الشهيرة ثلج، ثلج ... أو على وقع صوت المغني Salvatore Adamo وهو يدندن بأغنيته Tombe la neige.
صورة لمدينة سطيف بعد تساقط الثلج المصدر: google image
وأسطورة مدينة سطيف مع الثلج لا تتوقف هنا. بل تمتد إلى الأعماق لأن هذه المدينة لها حسّ فنان تشكيلي يجيد لغة الألوان، كيف لا وهي التي أخذت من الثلج لونه الأبيض، وأضافته إلى اللون الأسود الذي أخذته هو الآخر من تسميتها الرومانية القديمة ستيفيسSitifis التي تعني التربة السوداء، ومزجت كلا اللونين الأبيض والأسود، وجعلت منهما لون فريقها العريق وفاق سطيف نسر الجزائر الأبيض والأسود. بل وجعلت منه رمزا لولاية سطيف ككل .